على أنّ الختم على القلب هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه إليه ، كما لا ينتفع بالسمع والبصر مع أخذهما ، وإنّما يكون ضيقه بألا يتّسع لما يحتاج إليه فيه من النظر والاستدلال الفاصل بين الحق والباطل ، وهذا كما يوصف الجبان بأنه لا قلب له إذا بولغ في وصفه بالجبن ، لأن الشجاعة محلّها القلب ، فإذا لم يكن القلب الذي هو محلّ الشجاعة لو كانت فأن لا تكون الشجاعة أولى ـ قال طرفة :
فالهبيت لا فؤاد له |
|
والثّبيت قلبه قيمه |
وكما وصف الجبان بأن لا فؤاد له ، وأنّه يراعه ، وأنّه مجوّف : كذلك وصف من بعد عن قبول الإسلام بعد الدعاء إليه ، وإقامة الحجّة عليه ، بأنّه مختوم على قلبه ، ومطبوع عليه ، وضيّق صدره ، وقلبه في كنان وفي غلاف ، وهذا من كلام الشيخ أبي علي الفارسي ، وإنّما قال : ختم الله ، وطبع الله ، لأن ذلك كان لعصيانهم الله تعالى ، فجاز ذلك اللفظ كما يقال : أهلكته فلانة إذا أعجب بها وهي لا تفعل به شيئا لأنّه هلك في اتّباعها».
هذا هو نصّ كلامه ، ومنه يتبيّن :
١ ـ إنه ممّن يؤيد الرأي القائل بأنّ الختم ليس حقيقيّا ، وإنما هو على معنى من المجاز.
٢ ـ وإنّه يستعين في بيان ذلك بالآيات المشابهة لهذا الموضع في القرآن الكريم ، وبالشعر ، وبقول أبي علي الفارسي ، وبما هو مألوف في العربية من مثل هذا التعبير بإسناد الفعل إلى من لم يفعله ، ولكن وقع بسبب منه فالختم أسند إلى الله لأنّه بمعناه الّذي فسّر به كان بسبب عصيانهم لله ، كما يقال أهلكته فلانة وهي لم تهلكه وإنّما هلك باتباعها.