بما يحصل به شفاء الغليل ، وأوضحت فساد ما عداه بواضح التعليل ، ورجعت فى
ذلك كله إلى الدليل ، وأعفيته من الإسهاب والتطويل ، وسهلته على المتعلم غاية
التسهيل» .
ثم وجد ابن
الأنبارى أن فن المناظرة والجدال والمحاورة يسم ذلك العصر ، فقد شغف به المتعلمون
والفقهاء والمتأدبون ، وبرعوا فى هذا فيما يتصل بأصول الفقه والنحو ، فالتمسوا من
الأستاذ الذى انتهت إليه زعامة الأدب والنحو فى بغداد أن يضع لهم قوانين يسيرون
عليها حين يتجادلون ، وقواعد يتبعونها حين يتناظرون ، على أن تقوم هذه القواعد على
أسس سليمة وقواعد متينة لا يحيدون عنها حتى لا يصبح الجدال العلمى مجرد ترّهات
وأباطيل ، ويسلك المناظر سبيل الخطأ لمجرد المناقشة ، فيؤلف ابن الأنبارى لهم كتاب
(الإغراب فى جدل الإعراب) وفى مقدمته يبين الغرض منه ويشرح المقصود من تأليفه
فيقول : «وبعد ، فإن جماعة من الأصحاب اقتضونى بعد تلخيص كتاب (الإنصاف فى مسائل
الخلاف) تلخيص كتاب فى جدل الإعراب مسعرّى عن الإسهاب ، مجردا عن الإطناب ، ليكون
أول ما صنف لهذه الصناعة فى قوانين الجدل والآداب ، ليسلكوا به عند المجادلة
والمحاورة والمناظرة سبيل الحق والصواب ، ويتأدبوا به عند المحاورة والمذاكرة
والمضاجرة فى الخطاب. فأجبتهم على وفق طلبتهم ، طلبا للثواب ، وفصّلته اثنى عشر
فصلا على غاية من الاختصار تقريبا على الطلاب فالله تعالى ينفع به إنه كريم وهاب» .
ويخرج لنا بعد
ذلك كتابه فى (علم أصول النحو) ولم يكتب له مقدمة تبين الغرض منه ولكنه أشار إليه
فى كتابه (نزهة الألبا) حيث قال : «إن علوم الأدب ثمانية : النحو واللغة والتصريف
والعروض والقوافى وصنعة الشعر وأخبار العرب وأنسابهم. وألحقنا بالعلوم الثمانية
علمين وضعناهما وهما : الجدل فى النحو ، وعلم أصول النحو ، فيعرف به القياس
وتركيبه وأقسامه من قياس العلة وقياس الشبه وقياس الطرد إلى غير ذلك على حد أصول
الفقه ، فإن بينهما من المناسبة ما لا يخفى لأن النحو معقول من منقول كما أن الفقه
معقول من منقول» .
وهكذا حقق ابن
الأنبارى الأمنية التى طالما داعبت أذهان علماء النحو من القديم.
__________________