وقد ورد التنزيل بهما ، قال الله تعالى : (خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ)(١) وقال : (خَلائِفَ الْأَرْضِ)(٢).
وأراد ب «الخليفة» : آدم ، فى قول جميع المفسّرين ، جعله خليفة عن الملائكة الذين كانوا سكّان الأرض بعد الجنّ (٣) ؛ وذلك أنّ الله تعالى خلق السّماء والأرض ، وخلق الملائكة والجنّ ، فأسكن الملائكة السماء ، وأسكن الجنّ الأرض ، فعبدوا دهرا طويلا فى الأرض ؛ ثم ظهر فيهم الحسد والبغى ، فاقتتلوا وأفسدوا ، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة ، يقال لهم : الجنّ : رأسهم إبليس ـ وهم خزّان الجنان / اشتقّ لهم اسم (٤) من الجنّة ، فهبطوا إلى الأرض ، وطردوا الجنّ عن وجوهها (٥) إلى شعوب (٦) الجبال ، وجزائر البحور ، وسكنوا الأرض.
وكانوا أخفّ من الملائكة عبادة ؛ لأنّ أهل السّماء الدنيا أخفّ عبادة من الذين فوقهم. ـ وكذلك أهل كلّ سماء ـ ، وهؤلاء الملائكة لمّا صاروا سكان الأرض خفّف الله عنهم العبادة ، فأحبّوا البقاء فى الأرض. وكان الله تعالى قد أعطى إبليس ملك الأرض ، وملك السّماء الدّنيا ، وخزانة الجنان. وكان يعبد الله تارة فى الأرض ، وتارة فى السّماء ، وتارة فى الجنّة ، فأعجب بنفسه ، وتداخله الكبر ؛ فاطّلع الله تعالى على ما انطوى عليه من الكبر ؛ فقال له ولجنده : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٧).
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكّى ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن يحيى (٨)
__________________
(١) سورة الأعراف : ٦٩.
(٢) سورة الأنعام : ١٦٥.
(٣) حاشية ج : «لأنه خلف الجن وجاء بعدهم ، ولأنه خليفة الله فى أرضه لتنفيذ أحكامه. وقوله : «خليفة». يعنى : خليفة منكم ، لأنهم سكان الأرض خلفهم فيها آدم وذريته. ويجوز أن يراد خليفة منى ، لأن آدم كان خليفة لله فى الأرض ، وكذلك كل نبى ؛ قال الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)[سورة ص : ٢٦].
(٤) حاشية ج : «وهو الجن».
(٥) حاشية ج : «أى الأرض».
(٦) حاشية ج : «الشعب : الصدع».
(٧) روى هذا المعنى ـ بنحوه ـ عن ابن عباس : (تفسير الطبرى ١ : ٤٥٥).
(٨) أ ، ج : «عبد الله بن محمد «وهو خطأ ، والتصويب عن ب وصفحة (٤) من مقدمة المصنف.