فى الدّنيا ، (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) للبعث ، (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أى : تردّون فيفعل بكم ما يشاء.
٢٩ ـ قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)
قال المفسّرون : لمّا استعظم المشركون أمر الإعادة عرّفهم الله خلق السّماوات والأرض ؛ ليدلّهم بذلك على قدرته على الإعادة.
فقوله : (لَكُمْ) ، أى : لأجلكم (١) ، فما فى الأرض كلّه مخلوق للآدميّين : بعضه للانتفاع ، وبعضه للاعتبار ؛ كالسباع والعقارب ، والحيّات ؛ فإن فيها عبرة وتخويفا ، لأنّه إذا رئى طرف من المتوعّد به ، كان ذلك أبلغ فى الزّجر عن المعصية (٢).
وقوله عزوجل : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)
قال الفرّاء : «الاستواء» فى كلام العرب : على وجهين ؛ أحدهما : أن يستوى الرجّل ، وينتهى شبابه وقوّته ؛ أو يستوى من اعوجاج ؛ فهذان وجهان.
ووجه ثالث : أن تقول : كان فلان مقبلا على فلان ، ثم استوى إلىّ وعلىّ يكلّمنى ؛ على معنى : أقبل إلىّ وعلىّ (٣) ، فهذا معنى قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)
وسئل أحمد بن يحيى ثعلب عن الاستواء فى صفة الله تعالى؟ فقال : «الاستواء» : الإقبال على الشّىء (٤).
قال الزّجّاج : قال قوم فى قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أى : عمد (٥)
__________________
(١) حاشية ج : «لأن اللام للتخصيص. «وقال أبو حيان» : والأحسن حملها على السبب فيكون مفعولا لأجله» (البحر المحيط ١ : ١٣٣).
(٢) حاشية ج : «أى : إذا شوهد فى الدنيا بعض من الذى توعد به فى الآخرة كان أقوى فى الزجر عن المعصية».
(٣) (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٥) و (تفسير الطبرى ١ : ٤٢٨).
(٤) قال البيهقى أبو بكر أحمد بن على بن الحسين : قوله : (اسْتَوى) بمعنى أقبل صحيح ؛ لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ، والقصد هو الإرادة ، وذلك جائز فى صفات الله تعالى». (تفسير القرطبى ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥) حاشية ج : «المراد بالاستواء : استواء يليق بعظمته وجلاله ، لا الاستواء الصادر عن المركبات ، كقيام وركوع وسجود ...».
(٥) حاشية ج : «عمد ـ بفتح الميم ـ يقال : عمدت الشىء أعمد : قصدت له ، وعمد الثرى ـ بالكسر ـ : إذ بلله المطر».