ولم تدلّ الآية على أنّ الذّكر لا يقتل بالأنثى وقتل الذّكر بالأنثى مستفاد من إجماع الأمّة (١) ؛ لأنّهما تساويا (٢) فى الحرمة والميراث ، وحدّ الزّنى والقذف ، وغير ذلك ؛ فوجب أن يستويا فى القصاص.
وقوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ).
معنى «العفو» ـ هاهنا ـ : ترك الواجب من أرش جناية ، أو عقوبة ذنب ، أو ما استوجبه الإنسان بما ارتكبه من جناية ، فصفح عنه ، وترك له من الواجب عليه.
وقوله : (مِنْ أَخِيهِ) أراد : من دم أخيه ، فحذف المضاف للعلم به. وأراد ب «الأخ» : المقتول ، سمّاه أخا للقاتل ، فدلّ على أنّ أخوّة الإسلام بينهما لم تنقطع ، وأنّ القاتل لم يخرج عن الإيمان بقتله.
وفى قوله : (شَيْءٌ) دليل على أنّ بعض الأولياء إذا عفا سقط القود ؛ لأنّ شيئا من الدّم قد بطل بعفو البعض (٣) ؛ والله تعالى قد قال (٤) : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ). والكنايتان فى قوله : (لَهُ) و (أَخِيهِ) ترجعان إلى (فَمَنْ) وهو القاتل.
وقوله : (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) أى : فعلى ولىّ المقتول اتّباع بالمعروف فى المطالبة بالدّية ؛ وهو ترك التّشدّد (٥) على القاتل فى طلب الدّية.
وقوله : (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ).
أى (٦) : وعلى القاتل تأدية المال إلى العافى (٧) بإحسان.
أمر الله تعالى : الطّالب أن يطلب بالمعروف ، ويتّبع الحقّ الواجب له من غير أن
__________________
(١) قال الواحدى : «ودل قوله فى سورة المائدة [آية : ٤٥] : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) : على أن الذكر يقتل بالأنثى : (الوجيز للواحدى ١ : ٤٦).
(٢) ب : «يتساويان».
(٣) ب : «قد يبطل البعض».
(٤) أ ، ب : «والله تعالى يقول».
(٥) ب : «التشديد». انظر (الوجيز للواحدى ١ : ٤٦).
(٦) الإثبات عن أ ، ب.
(٧) حاشية ج : «أى : سائل الدية».