(ج) ولتثبيت هذه
الأصول والمعتقدات الصحيحة فى قلوب الناس جميعا مؤمنين وكافرين ، عنى القرآن المكى
عناية فائقة بأخبار الأنبياء والأمم السابقة ؛ لما فيها من عظات وعبر ، وتبيان
لسنة الله ـ تعالى ـ فى هلاك المكذبين ، ونجاة المؤمنين.
ولقد كان إيراد
القصص فى القرآن المكى بكثرة من أبلغ الأدلة على أن القرآن كان وحيا من الله
تعالى.
فلو تأخر إيراده
إلى العهد المدنى ؛ لقال الكفار : تعلمه محمد صلىاللهعليهوسلم من أهل الكتاب.
ولكان لقولهم هذا
مبرر على نحو ما ؛ لأن أهل الكتاب كانوا على علم ما بقصص الأنبياء وأخبار الأمم.
ولقد قال المشركون فى مكة : إنما يعلمه بشر ، وادعوا أنه يخلو إلى غلام روميّ ،
ويتلقى عنه هذا القرآن ، ولم يكن لقولهم هذا شاهد من العقل ، ولا من الواقع.
قال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ
إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ
وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) النحل : ١٠٣.
فلو قالوا عن
القرآن المدنى : تعلمه محمد من اليهود حين جاورهم ، واتصل بهم ، قيل لهم : ومن
الذى علمه القرآن الذى نزل عليه بمكة ، متضمنا من أخبار الأولين والآخرين ما لا
يعلمه اليهود ولا غيرهم.
(د) ومن خواص هذا
القسم قصر معظم آياته وسوره ولا سيما أوائل ما نزل ، ولعل ذلك كان كذلك ليتمكن المؤمنون
من حفظه بسهولة ويسر ، فهم فى أول عهدهم به لم تتعود ألسنتهم على النطق به مرتلا
كما أمر الله ـ تعالى ـ أن يتلى ، وفيهم الشيخ الكبير ، والمرأة المسنة ، والطفل
الصغير ، وأكثرهم أميون ، فكيف يستطيعون قراءة الآيات الطويلة المقاطع ، وهم لم
يتعودوا بعد على مثل ذلك ؛ فكان من رحمة الله بهم أن أنزل الله هذه السور القصيرة
فى آياتها ومقاطعها ليتمكنوا من حفظها وتلاوتها فى يسر ونشاط.
وأما خصائص المدنى
فإننا نوجزها فيما يلى :
(أ) بيان الأحكام
العقدية والشرعية بالتفصيل بيانا يكشف دقائقها وأسبابها وشروط صحتها والحكمة من
تشريعها.
(ب) ظهرت فى العهد
المدنى تشريعات لم تكن فى العهد المكى ، مثل مشروعية الصوم ، ومشروعية القتال ،
وفريضة الحج ، وتحريم الخمر ، وتحريم الربا وغير ذلك.
(ج) الكشف عن
أحوال المنافقين الذين كانوا أشد الناس خطرا على الإسلام والمسلمين ، وبيان ما
انطوت عليه نفوسهم من