فى إخفاء الحال عن الرقيب. قال لموسى عليهالسلام : (لَنْ تَرانِي). وقال لنبينا عليهالسلام : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) وشتان ما هما!
ويقال أحيا قلبه بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) إلى أن قال : (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) فجعل استقلاله بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) إلى أن سمع ذكر الظل. ويقال أحياه بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) ثم أفناه بقوله : (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) وكذا سنّته مع عباده ؛ يردّدهم بين إفناء وإبقاء.
قوله جل ذكره : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧))
(١) جعل الليل وقتا لسكون قوم ووقتا لانزعاج آخرين ؛ فأرباب الغفلة يسكنون فى ليلهم ، والمحبون يسهرون فى ليلهم إن كانوا فى روح الوصال ، فلا يأخذهم النوم لكمال أنسهم ، وإن كانوا فى ألم الفراق فلا يأخذهم النوم لكمال قلقهم ، فالسّهر للأحباب صفة : إمّا لكمال السرور أو لهجوم الهموم. ويقال جعل النوم للأحباب وقت التجلّى بما لا سبيل إليه فى اليقظة ، فإذا رأوا ربّهم فى المنام يؤثرون النوم على السّهر (٢) ، قال قائلهم :
وإنى لأستغفى وما بي نعسة |
|
لعلّ خيالا منك يلقى خياليا |
وقال قائلهم :
رأيت سرور قلبى فى منامى |
|
فأحببت التّنعّس والمناما |
ويقال النوم لأهل الغفلة عقوبة ولأهل الاجتهاد رحمة ؛ فإن الحقّ ـ سبحانه ـ يدخل عليهم النوم ضرورة رحمة منه بنفوسهم ليستريحوا من كدّ المجاهدة.
قوله جل ذكره : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨))
__________________
(١) السبت ـ القطع. والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته. وقيل السبات ـ الموت ، والمسبوت الميت لأنه مقطوع الحياة. وهو كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) ، ويعضده ذكر النشور فى مقابلته.
(٢) ذكر القشيري فى باب «رؤيا القوم» برسالته أمثلة كثيرة للكرامات التي تحققت للأولياء أثناء نومهم ، وكان بعضها ذا تأثير عظيم فى مجرى حيواتهم. (الرسالة ص ١٩٢ وما بعدها).