الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ* وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى.)
[٢٠ / طه : ٧٧ ـ ٧٩]
والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال ، بإذن الرب العظيم الشديد المحال ، أمر موسى عليهالسلام أن يجوزه ببني إسرائيل ، فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين مبادرين ، وقد شاهدو من الأمر العظيم ما يحير الناظرين ، ويهدي قلوب المؤمنين ، فلما جاوزه (١) وجاوزه وخرج آخرهم منه ، وانفصلوا عنه ، كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ، ووفودهم عليه.
فأراد موسى عليهالسلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما (٢) كان عليه ، لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه ، ولا سبيل عليه ، فأمره (٣) القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال ، كما قال وهو الصادق في المقال :
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ* أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ* وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ* وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ* فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ* فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ* وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ* كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ* وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ* كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ* فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ* وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ* مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ* وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ* وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ.)
[٤٤ / الدخان : ١٧ ـ ٣٣]
فقوله تعالى : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) أي ساكنا على هيئته ، لا تغيره عن هذه الصفة. قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم.
فلما تركه على هيئته وحالته (٤) وانتهى فرعون ، فرأى ما رأى وعاين ما عاين ، هاله هذا المنظر العظيم ، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم ، فأحجم ولم يتقدم ، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم ، لكنه أظهر لجنوده تجلدا وعاملهم معاملة العداء ، وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه ، وعلى باطله تابعوه (٥) : أنظروا كيف انحسر [البحر](٦) لأدرك عبيدي الآبقين من يدي ،
__________________
(١) م : جاوزوه.
(٢) و : هما.
(٣) و : فأمر.
(٤) و : رحاله.
(٥) و : بايعوه.
(٦) سقطت من م.