سلفا لكل خائن مريب : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).
فلما خرج لوط عليهالسلام بأهله ، وهم ابنتاه ، لم يتبعه منهم رجل واحد ، ويقال إن امرأته خرجت معه. فالله أعلم.
فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكانت عند شروقها ، جاءهم من أمر الله ما لا يرد ، ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.
وعند أهل الكتاب : أن الملائكة أمروه أن يصعد الى رأس الجبل الذي هناك فاستبعده ، وسأل منهم أن يذهب الى قرية قريبة منهم ، فقالوا اذهب فإنا ننتظرك حتى تصير اليها وتستقر فيها ، ثم نحل بهم العذاب. فذكروا أنه ذهب الى قرية «صوعر» (١) التي يقول الناس : غور زغر ، فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب.
قال الله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.)
[١١ / هود : ٨٣]
قالوا : اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن ـ وكن سبع مدن ـ بمن فيهن من الأمم ، فقالوا إنهم كانوا أربعمائة نسمة ، وقيل أربعة آلاف (٢) نسمة ، وما معهم من الحيوانات ، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات ، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء ، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد : فكان أول ما سقط منها شرفاتها.
(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ). والسجيل فارسي معرب والشديد الصلب القوي ، (مَنْضُودٍ) أي يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم من السماء. (مُسَوَّمَةً) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه ، كما قال : (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ). وكما قال تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) ، وقال تعالى :
(وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى فَغَشَّاها ما غَشَّى فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) يعني (٣) قلبها فأهوى بها منكسة عاليها سافلها ، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل ، متتابعة ، مسومة مرقومة على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه ؛ من الحاضرين منهم في بلدهم ، والغائبين عنها من المسافرين والنازحين والشاذين منها.
ويقال إن أمرأة لوط مكثت مع قومها ، ويقال إنها خرجت مع زوجها وبنتيها ، ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة ، التفتت الى قومها وخالفت أمر ربها قديما وحديثا ، وقالت :
وا قوماه! فسقط عليها حجر فدمغها وألحقها بقومها ؛ إذ كانت على دينهم ، وكانت عينا لهم على من يكون عند لوط من الضيفان.
__________________
(١) و : صغر.
(٢) و : أربعة آلاف ألف نسمة.
(٣) و : أي قبلها.