أمرا أخلاقيا. ولكي نبلغ هذه النّتيجة يجب أن نمر ضرورة بمجموعة ثالثة من الأفكار الوسيطة. فنحن لا نميز فقط لدى الخالق صفات أخلاقية بوجه خاص : كالعدالة ، والحكمة ، والكرم ، ولكننا أيضا نتخذ من شرعه «شرعا لنا» ، ونجعل أمره «أمرنا» ، وبدون ذلك يظل المفهومان بالنسبة إلينا منفصلين لا يمكن وصلهما.
وثالثا ، وأخيرا : فإنّ المتأمل في الأخلاق القرآنية لا يجد فقط أنّ هنالك واجبات أسرية ، وإجتماعية كثيرة قد تركت دون تحديد من النّاحية الكمية ، وعهد بها إلى تقدير الضّمير المشترك ، بل إنّ كلّ تكليف قرآني يجعل شرط تطبيقه مجموعة من الإعتبارات ، تحترم الوسع الإنساني ، وتحسب حساب الواقع المادي ، والتّوافق بين الواجبات. ومن هنا فهو يخول كلّ ضمير فردي جزءا من النّشاط التّشريعي ، وهو جزء ضروري لصوغ واجبه المادي في كلّ لحظة.
وعند ما يعلن القرآن أنّ قيده لطيف ، وحمله خفيف ، فإنّ هذا اللطف يأتي بلا شك في جانب كبير منه ـ نتيجة هذا التّدخل الثّلاثي للضمير الإنساني ، في الإعتراف بالواجب ، وتنظيمه.
ومن هنا نرى أنّ هذا التّدخل لم يقتصر على أن أحاط بالعامل الدّيني ، حين استبقه ، وأصحبه ، وألحقه بعناصر إنسانية ، ولكنه حوّله إلى عامل أخلاقي بالمعنى الصّحيح.
وهكذا لا نستطيع أن نخلع على هذه الأخلاق نعتا دينيا فحسب ، سواء من حيث التّشريع ، أو الجزاء ، أو التّسويغ ، أو المادة الّتي هي موضوع تعليمها ، إذ