ولعلنا نعرف قصة الأخوين الجريحين في غزوة أحد ، يحكي أحدهما القصة فيقول : شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنا وأخ لي «أحدا» ، فرجعنا جريحين ، فلما أذن مؤذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي ، أو قال لي : أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ .. والله ما لنا من دابة نركبها ، وما منا إلّا جريح ثقيل ، فخرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكنت أيسر جرحا منه ، فكان إذا غلب حملته عقبة ، ومشى عقبة ، حتّى انتهينا إلى ما انته إليه المسلمون (١).
ولمحة أخرى ذات مغزى ، فيما روي عن جندع بن ضمرة ، أنّه كان شيخا كبيرا ، فلما أمروا بالهجرة ، وشدّد عليهما فيها ، مع علمهم بأنّ الدّين لا حرج فيه ، ولا تكليف بما لا يطاق ـ قال لبنيه : إنّي أجد حيلة ، فلا أعذر ، احملوني على سرير ، فحملوه ، فمات بالتنعيم ، وهو يصفق يمينه على شماله ، ويقول : هذا لك ، وهذا لرسولك (٢).
وإذن ، فلم تكن وصية النّبي صلىاللهعليهوسلم للضعفاء أن يوفروا جهدهم إلّا رحمة بهم ، فهو يريد أن يتفادوا بعثرة القوة ، والجهد الضّائع الضّارّ. وهو يقصد إلى أن يتدارك لديهم ردود فعل الإفراط : كالنقرة ، والتّراخي ، وتصدع العمل ، وهجره ، وعدم
__________________
ـ ١ / ٢٤٠ ، تفسير القرطبي : ٣ / ٢٠ و : ٨ / ٢٦٧ ، تفسير الطّبري : ٢ / ٣٢١ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٢٤٨ ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٤٥٠ ح ٥٧٠٠ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٤٣١ ، المعجم الكبير : ٨ / ٣٦ ح ٣٧٠٧ ، السّيرة النّبوية : ٢ / ٢٢٤.
(١) انظر ، تفسير الطّبري : ٤ / ١٧٦ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٤٣٠ ، تأريخ الطّبري : ٢ / ٧٥ ، السّيرة النّبوية : ٢ / ٥٢.
(٢) ذكر المؤلف مغزى القصتين ، نقلا عن الشّاطبي في الموافقات : ٣ / ٢٥٤ ، ونقلناهما بنصهما عن نفس المرجع. «المعرب».