ضميرنا بشعورين متناقضين ، ينتهي كلّ منهما إلى نتيجة لا ترضي النّزعة الأخلاقية ؛ إذ أننا من النّاحية القانونية نعتبر أنفسنا قد أدينا ما علينا ، ما دمنا غير ملزمين مطلقا بعمل المستحيل.
بيد أنّ ملاحظة نقصنا الأساسي (الجواني) ، وليكن اضطراريا ، يجب أن تثير فينا شعورا بإحتقار انفسنا ، فلسنا نملك ألا ندين هذه الفطرة العقيمة إدانة لا نقض فيها ، ولا إبرام ، لأنّها غير جديرة بمطامحنا الأخلاقية.
وهكذا نجد أنّ الإعتبار الأوّل ، وهو إعتبار منطقي لا حرارة فيه ، يمنح نشاطنا ، وهمتنا إجازة ، ويدعونا إلى أن نستريح في هدوء على هذا الحدّ ، كأنّه لا يقبل التّجاوز بحال. فإذا ما ارتضينا هذه الوقفة ، واستطالت قليلا فسرعان ما تتحول إلى تقهقر تدريجي.
وإذا كانت ملاحظة هذا البون ما بين واقعنا ، ومثلنا تشعل ـ بالعكس ـ النّار في قلوبنا ، وتجعلنا ثائرين ضد أنفسنا ، فقلما يكون ذلك من أجل إصلاح فطرتنا ، وهو أمر نعتبره ـ على سبيل الفرض ـ مستحيلا ، بل هو من أجل أن ننقم على ظرفنا التّعيس. هذه الكراهية الّتي لا جدوى من ورائها ، والّتي تسمى «اليأس» ، تقود الإنسان حتما إلى نفس الوقفة أوّلا ، ثمّ إلى التّقهقر الّذي أشرنا إليه منذ قليل. وذلكم هو الإنسان ، طالما اعتمد على قواه ، وأنواره الخاصة.
هذا كلّه في مقابل نفس مغذوّة بالإيمان ، مملوءة بالثقة في هذه الحقيقة الحيّة ، والعلوية ، هذه الحقيقة الّتي لا حدود لخيرها ، ولا لقوتها ، والّتي هي موضوع حبّنا واحترامنا ، ونطلق عليها : الله.