الإنسان أنّ غرضه منوط بفعل من الأفعال فلا يتوجه نحوه قصده ، وذلك مما لا يقدر على اعتقاده في كلّ حين ، وإذا اعتقد فإنّما يتوجه القلب إذا كان فارغا غير مصروف عنه بغرض شاغل أقوى منه ، وذلك لا يمكن في كلّ وقت ، والدّواعي ، والصّوارف لها أسباب كثيرة ، بها تجتمع ، ويختلف ذلك بالأشخاص ، وبالأحوال ، وبالأعمال» ويضرب الغزالي لذلك مثالا فيقول : «فإذا غلبت شهوة النّكاح مثلا ، ولم يعتقد غرضا صحيحا في الولد ، دينا ولا دنيا ، لا يمكن أن يواقع على نيّة الولد ، بل لا يمكن إلّا على نيّة قضاء الشّهوة ، إذ النّيّة هي إجابة الباعث ، ولا باعث إلّا بالشهوة ، فكيف ينوي الولد ، وإذا لم يغلب على قلبه أنّ إقامة سنّة النّكاح اتباعا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يعظم فضلها ، لا يمكن أن ينوي بالنكاح اتباع السّنّة ، إلّا أن يقول ذلك بلسانه ، وقلبه ، وهو حديث محض ليس بنّيّة. نعم طريق اكتساب هذه النّيّة مثلا أن يقوي أوّلا إيمانه بالشرع ، ويقوي إيمانه بعظم ثواب من سعى في تكثير أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، ويدفع عن نفسه جميع المنفرات عن الولد ، من ثقل المؤنة ، وطول التّعب ، وغيره. فإذا فعل ذلك ربما انبعث من قلبه رغبة إلى تحصيل الولد للثواب ، فتحركه تلك الرّغبة ، وتتحرك أعضاؤه لمباشرة العقد ، فإذا انتهضت القدرة المحركة للسان بقبول العقد ، طاعة لهذا الباعث الغالب على القلب كان ناويا ، فإن لم يكن كذلك فما يقدره في نفسه ، ويردده في قلبه من قصد الولد ـ وسواس ، وهذيان» (١).
__________________
(١) انظر ، إحياء علوم الدّين للغزالي : ٤ / ٣٦٢ طبعة الحلبي ، وقد نقلنا هذا النّص بصورة أوفى مما في الأصل.