قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّما الأعمال بالنّيّات» (١) ، قالوا : إنّ كلّ الأعمال ، أقوالها ، وأفعالها ، فرضها ، ونفلها ، قليلها ، وكثيرها ، الصّادرة من المكلفين المؤمنين ، صحيحة ، أو مجزئة بالنّيّات ... فلا عمل إلّا بنّيّة ... إلّا ما يستحيل دخولها فيه كالنّيّة ، ومعرفة الله تعالى ، فإنّ النّيّة فيهما محال» ... وربما أطلق (العمل) على حركة النّفس ، فعلى هذا يقال : «العمل إحداث أمر قولا كان ، أو فعلا بالجارحة ، أو بالقلب» (٢).
والآن ، كيف نسوغ هذا الرّأي؟. أو ليس من التّناقض أن نثبت في الأخلاق أشياء تتجاوز في قيمتها النّشاط الأخلاقي ذاته؟.
ـ إنّ وضع المشكلة على هذا النّحو تزييف لها ، وإحالة. فكلّ ما ندعيه هو أنّ في هذا النّشاط مجالا للتفرقة بين مرحلتين مختلفتين ، فقبل أن نلتزم بعمل ما ينبغي أن نؤكد له المبدأ ، ونضع له الخطة ، ونحدد له الوسائل ، ونرسم له الهدف. وفي كلمة واحدة : ينبغي قبل التّنفيذ أن نصله بالشريعة ، فالجانب الشّرعي يشرط ، ويسبق جانب التّنفيذ ، في الأخلاق ، أو في السّياسة.
وإذا كان دور النّيّة الحسنة على وجه التّحديد هو إختيار الحل ، من حيث هو حسن أخلاقيا ، فإنّ معنى ذلك أنّها تلتزم بالواجب بوصفه واجبا ، وبهذا الوصف صراحة.
إنّ كلّ نشاط ، حتّى أدخله في الطّوية ، وأكثره تطابقا مع القاعدة هو في ذاته نشاط محايد ، مبهم ، يمكن أن يرتدي صفة القداسة ، أو الدّنس ، الطّاعة ، أو العصيان ، الحسن ، أو القبح ، أو اللامبالاة ، تبعا للطريقة الّتي يتصوّر بها. ولقد
__________________
(١) تقدم إستخراج ذلك.
(٢) انظر ، إرشاد السّاري للقسطلاني : ١ / ٥٢ ـ ٥٣.