هذه الطّبيعة ستظل ـ إلى أن يثبت العكس ـ محتفظة بهويتها هذه : أعني بهذا الإرتباط الوثيق بين الجانب البدني ، والجانب الأخلاقي.
وهكذا نرى الآن رحابة الفكرة القرآنية عن الجزاء. إنّها ليست نزعات خاصة لإنسان ، ولا آراء شخصية لفيلسوف ، ولا رأيا شائعا في عصر ، أي عصر ، سواء أكان معاصرا للإسلام ، أم سابقا عليه ، أم لا حقا به ، ليس ذلك كلّه هو ما تعبر عنه هذه النّظرية ، إذ أنّها لما كانت شاملة بفضل غايتها أرادت أن تكون كذلك شاملة بفضل منهجها ، ومن ثمّ فإنّ ما تركه الحكماء الأقدمون منذ سقراط وإيبيكتيت [Epictete] ، وما كتبه فلاسفة العصر الحديث حتّى «كانت» و«ميل» ، وما جاء به القديسون ، والأنبياء ، منذ بدء الزّمن ، حتّى موسى ، وعيسى ـ كلّ مذهب من هذه المذاهب لا بد أن يجد في النّظرية القرآنية إحدى الصّيغ الّتي يوافق عليها.
وما ذلك إلّا لأنّها تستهدف النّفس الإنسانيّة بكلّ قواها ، وفي كلّ أعماقها ، ولأنّها تدعو جميع النّاس ، في جميع الطّبقات ، ومن جميع درجات العقل.
وليس عدلا في ذاته فحسب أن تتساوى المكافأة مع الجهد المكافأ ، من حيث التّركيب ، والغناء ، ولكن من حكمة المنهج أن يكون التّعليم الشّامل مزوّدا بنظام للبرهنة يتساوى في تنوعه مع تنوع الإتجاهات ، والأمزجة ، والعقول ، لدى من يتوجه إليهم ، بحيث يستطيع كلّ منهم ، تبعا لطريقته في التّفكير ، أن يرى فيه أمورا صالحة لإقناعه. فيجب أن يجد الأمر بالواجب تسويغه في الحقيقة ، بأي صورة تمثّلت ، ويجب أن يكون قادرا على ممارسة تأثيره في النّفس ، بأي عين تأملته ، وذلكم هو ما يقدمه لنا القرآن.
إنّ جلال الأمر الإلهي ، ومطابقته للحكمة ، وتوافقه مع الخير في ذاته ، والرّضا