كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى
____________________________________
الفلز المذاب الصالح (كَذلِكَ) الذي مثلنا من الماء وزبده والفلز وزبده (يَضْرِبُ اللهُ) مثلا ل (الْحَقَّ وَالْباطِلَ) فالحق يحيي ، ويسبب الجمال ، كالماء الذي يحيي ، والفلز الذي يسبب الجمال ورفع الحاجة ، والباطل يفنى ويذهب كالزبد الذي يطفو على الماء وعلى البوتقة ، ولعل التعبير ـ ب «الضرب» في المثل ، لأجل اصطدام الذهن به ، فإن الذهن يتأثر بالمثل أكثر مما يتأثر بأصل المطلب ، ولذا أن من فنون البلاغة أن يكثر الإنسان المثل ، فإنه يوجب توضيح المطلب وترسيخه (فَأَمَّا الزَّبَدُ) الطافي ، (فَيَذْهَبُ جُفاءً) أي باطلا متفرقا ، بحيث لا ينتفع به ، من جفأت القدر بزبدها إذا ألقيت زبدها عنها ، (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) من الماء الجاري في الأودية ، والفلز الصافي (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) يبقى ليسقي الزرع والحيوان والإنسان ، أو يمتع به في حوائجه (كَذلِكَ) الذي تقدم من المثل (يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) للناس واضحة جلية ، ليرسخ الحق في أدمغتهم ، ويتركز في نفوسهم.
[١٩] وإذا تقرر أن الله سبحانه أنزل من السماء «الحق» لاستفادة الناس ـ كما أنزل من السماء ماء ـ فمن استجاب لله ، وقبل الحق ، له خير الدنيا وسعادة الآخرة ، ومن لم يستجب له ، فإن له سوء العاقبة وعذاب الآخرة ف (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) «الحسنى» مبتدأ و «الذين» خبره ، ولعل الإتيان ب «استجاب» دون «أجاب» مع أن كلا منهما بمعنى الآخر ، لبيان أن إجابة الله سبحانه ، تحتاج إلى التهيؤ