إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير النسفي [ ج ٢ ]

تفسير النسفي [ ج ٢ ]

104/503
*

(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (١٣٠)

عليهم قتل الأبناء ليعلموا أنّا على ما كنّا عليه من الغلبة والقهر ، وأنّهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا ، ولئلّا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي تحدث المنجمون بذهاب ملكنا على يده فيثبّطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتّباعه.

١٢٨ ـ (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) قال لهم ذلك حين جزعوا من قول فرعون سنقتل أبناءهم ، تسلية لهم ووعدا بالنصر عليهم (إِنَّ الْأَرْضَ) اللام للعهد ، أي أرض مصر ، أو للجنس فيتناول أرض مصر تناولا أوليا (لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فيه تمنيته إياهم أرض مصر (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) بشارة بأنّ الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط ، وأخليت هذه الجملة عن الواو لأنها جملة مستأنفة بخلاف قوله وقال الملأ لأنها معطوفة على ما سبقها من قوله قال الملأ من قوم فرعون.

١٢٩ ـ (قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى إلى أن استنبئ وإعادته عليهم بعد ذلك ، وذلك اشتكاء من فرعون واستبطاء لوعد النصر (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل وكشف عنه ، وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فيرى الكائن منكم من العمل حسنة وقبيحه ، وشكر النعمة وكفرانها ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم ، وعن عمرو بن عبيد (١) أنه دخل على المنصور (٢) قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان ، وطلب المنصور زيادة لعمرو فلم توجد فقرأ عمرو هذه الآية ، ثم دخل عليه بعد ما استخلف فذكر له ذلك وقال : قد بقي فينظر كيف تعملون.

١٣٠ ـ (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) سني القحط وهنّ سبع سنين ،

__________________

(١) عمرو بن عبيد بن باب التيمي بالولاء ، أبو عثمان البصري. شيخ المعتزلة في عصره ومفتيها ، وأحد الزهاد المشهورين ولد عام ٨٠ ه‍ ومات عام ١٤٤ ه‍ (الأعلام ٥ / ٨١).

(٢) المنصور : هو عبد الله بن محمد بن علي بن العباس ، أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس ولد عام ٩٥ ه‍ وتوفي عام ١٥٨ (الأعلام ٤ / ١١٧).