الرفع في آية آل
عمران :
ونحن إذا رجعنا
إلى قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ
وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥]
في آيات آل عمران مع قوله : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ
إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٨]
في آيات النساء وجدنا الثانية إخبارا عن تحقيق الوعد الذي تضمنته الأولى ، وقد كان
هذا الوعد بالتوفية الرفع والتطهير من الذين كفروا ، فإذا كانت الآية الثانية قد
جاءت خالية من التوفية والتطهير ، واقتصرت على ذكر الرفع إلى الله ، فإنه يجب أن
يلاحظ فيها ما ذكر في الأولى جمعا بين الآيتين.
والمعنى أن الله
توفى عيسى ورفعه إليه وطهّره من الذين كفروا.
وقد فسر الألوسي
قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) [آل عمران : ٥٥]
بوجوه منها ـ وهو أظهرها ـ إني مستوفي أجلك ومميتك حتف أنفك لا أسلط عليك من يقتلك
، وهو كناية عن عصمته من الأعداء وما هم بصدده من الفتك به عليهالسلام ، لأنه يلزم من
استيفاء الله أجله وموته حتف أنفه ذلك.
وظاهر أن الرفع
الذي يكون بعد التوفية هو رفع المكانة لا رفع الجسد خصوصا وقد جاء بجانبه قوله : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران : ٥٥]
مما يدل على أن الأمر أمر تشريف وتكريم.
وقد جاء الرفع في
القرآن كثيرا بهذا المعنى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النّور :
٣٦] ، (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) [الأنعام : ٨٣] ، (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)) [الشّرح : ٤] ، (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧)) [مريم : ٥٧] ، (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [المجادلة : ١١]
الخ ...
وإذن فالتعبير
بقوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥]
وقوله : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ
إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٨]
كالتعبير في قولهم لحق فلان بالرفيق الأعلى وفي (إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التّوبة : ٤٠]
وفي (عِنْدَ مَلِيكٍ
مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥] ،
وكلها لا يفهم منها سوى معنى الرعاية والحفظ والدخول في الكنف المقدس. فمن أين
تؤخذ كلمة السماء من كلمة (إِلَيْهِ) [البقرة : ١٧٨]؟
اللهم إن هذا لظلم
للتعبير القرآني الواضح خضوعا لقصص وروايات لم يقم على الظن بها ـ فضلا عن اليقين
ـ برهان ولا شبه برهان!
الفهم المتبادر من
الآيات :
وبعد فما عيسى إلا
رسول قد خلت من قبله الرسل ، ناصبه قومه العداء ، وظهرت على وجوههم بوادر الشر
بالنسبة إليه ، فالتجأ إلى الله شأن الأنبياء والمرسلين