وقد غلط من نسب [إلى مذهب] المحققين من الموحدين إبطال نبوة الأنبياء عليهمالسلام بخروجهم من دار الدنيا. وليس ذلك بصحيح ، لأن مذهب المحققين : أن الرسول ما استحق شرف الرسالة بتأدية الرسالة ، وإنما صار رسولا واستحق شرف الرسالة والنبوة بقول مرسله : وهو الله تعالى : أنت رسولي ونبيي. وقول الله تعالى قديم لا يزول ولا يتغير.
والدليل على صحة هذا أيضا : أنه صلىاللهعليهوسلم سئل ، فقيل له : متى كنت نبيا؟ فقال : «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» فحاصل الجواب في هذا : أن شرف النبوة وكمال المنصب ثابت للأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين الآن ، حسب ما كان ثابتا لهم في حال الحياة ، لم ينثلم ولم ينتقص ، سواء نسخت شرائعهم أو لم تنسخ ، ومن راجع نفسه ولم يغالط حسه عرف وتحقق أن النبي صلىاللهعليهوسلم الآن لم يخاطب شفاها ، ولا يأمرهم ولا يكلمهم من غير واسطة ، لكن حكم شريعته وصحة نبوته ثابت لم ينتقض ، لأجل خروجه من الدنيا ، ولم تزل مرتبته ، ولا انخرمت رسالته ، ولا بطلت معجزته فاعلم ذلك وتحققه.
مسألة
ويجب أن يعلم : أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومقدّم خلق الله أجمعين ، من الأنصار والمهاجرين ، بعد الأنبياء والمرسلين : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، لقوله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) [التّوبة : ٤٠] ولا أفضل من اثنين ثالثهما الله تعالى لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] وهو الصدّيق وأصحابه ، لما قاتل أهل الردة ، ولقوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) [الزّمر : ٣٣] قيل في أصح التفاسير : الذي جاء بالصدق محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصدق أبو بكر الصديق ؛ يؤكد صحة هذا التفسير قوله صلىاللهعليهوسلم : «قال الناس لي كذبت ، وقال أبو بكر صدقت» ويدل عليه قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد : ١٠] والصديق رضي الله عنه أول من أنفق على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يؤكد هذا قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن أمنّ الناس عليّ في نفس ومال أبو بكر الصديق ، ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر».
ويدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم لأبي الدرداء «أتمشي أمام من هو خير منك ، والله ما طلعت الشمس ولا غربت على رجل بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر ،