الْقَوْلَ)(١)(وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ)(٢) تنبيه ألّا يؤكّد معهم عهدا بل حقّهم أن يطرح إليهم ذلك طرحا ، مستحثّا به على سبيل المجاملة ، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم ، ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه.
قوله : (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها)(٣) أي ، اعتزلت وتنحّت ؛ يقال : انتبذ فلان مجلسه ، وجلس نبذة ونبذة أي : اعتزل ، بحيث إذا نبذت إليه شيئا وصل إليه. وصبيّ منبوذ ونبيذ نحو ملقوط ولقيط. قيل : لكن منبوذ يقال اعتبارا بمن طرحه ، وملقوط ولقيط اعتبارا بمن تناوله. والنبيذ : ما ألقي فيه تمر أو زبيب مع (٤) الماء ، يقصدون بذلك تحلية الماء وعذوبته. ولذلك نهى الشارع عن الانتباذ في أوان مخصوصة ، لئلا يشتدّ فيسكر. وصار النبيذ في العرف العامّ اسما للشراب المسكر ، وإن كان النبيذ في الأصل إنما هو للشيء الملقى في الماء كالتّمر والفضيح (٥) ونحوهما ، ثم أطلق على ذلك الماء الذي ألقي فيه مجازا للمجاورة ، ثم غلب على المسكر.
ونابذت زيدا عهده ، يجوز أن يكون مما وقع منه فاعلت موقع فعلت ، نحو : سافرت وعاقبت اللصّ وطارقت النعل ، وأن يكون على بابه من المفاعلة ، وأنّ كلا منهما نبذ عهد صاحبه إلى الآخر.
ن ب ز :
قوله تعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ)(٦) أي : لا تداعوا به. وهذا محمول على ما إذا كان التلقيب مؤذيا لصاحبه. فأما إذا كان غير مؤذيه ، وفيه تعظيمه فلا حرمة. وكذا إذا لم يعرف إلا به ، وكان فيه مفسدة لو لم يذكر به ، كتضييع حقّ الغير لا سيما إذا روي عنه كالأعرج والأعمش ، حيث غلب على هذين. وكره سعيد بن المسيّب فتح الياء من
__________________
(١) ٨٦ / النحل : ١٦.
(٢) الآية بعدها.
(٣) ١٦ / مريم : ١٩.
(٤) في الأصل : من الماء ، ولعل ما ذكرنا يناسب السياق.
(٥) الفضيح : نوع من التمر. وأفضح البسر : إذا بدت الحمرة فيه ، دعي بذلك لأنه يسكر فيفضح شاربه.
(٦) ١١ / الحجرات : ٤٩.