قوله عزوجل : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(١) أي أمر صبر. والأصل النصب على المصدر ونيابة عن الفعل ، إلا أنّ الرفع أبلغ لما قرّرناه في : «قالوا سلاما قال سلام» (٢). ولذلك أتى الشاعر بهذا الأصل على النصب في قوله : [من الرجز]
يشكو إليّ جملي طول السّرى |
|
صبرا جميلا فكلانا مبتلى |
ومعنى الآية : الحثّ على الصبر. والصبور : القادر على الصبر الذي له فيه ملكة. والصابر يقال إذا كان فيه ضرب من التكلّف والمجاهدة ؛ قاله الراغب (٣) وفيه نظر من حيث إنّ فعولا وفعالا مبالغة. وفعل لا يدلّ على التكلّف (٤) ، بل يدلّ عليه تفعّل ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(٥).
وقد يعبّر عن الانتظار بالصّبر لمّا كان حقّ الانتظار لا ينفكّ عن الصبر ، بل هو نوع من الصبر ؛ وعليه قوله تعالى : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)(٦) أي انتظر حكمه لك على الكفار الذين عاندوك. وقال المبرّد : الصبر ثلاثة أنواع : حبس ، وإكراه ، وجرأة. وحكي من كلامهم : أصبره الحاكم على اليمين ، أي ألجأه إليها. وفي الحديث : «اقتلوا القاتل واصبروا الصابر» (٧) ؛ وذلك أنّ رجلين قتلا رجلا ؛ أمسكه أحدهما وقتله الآخر ، أي احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت كفعله به. كذا فسّره الهرويّ (٨). والحكم عندنا ليس كذلك. وقيل : الصّبر أن يحبس ، أي يوقف وهو ينظر لنفسه فيقتل ، وهو أشدّ القتلات. ولذلك نهى عن القتل صبرا ، أي تؤخذ ذاته فيرمى عرضا. وقد قتل النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعض الكفار صبرا لمصلحة ، ومنهم النّضر القاتل أخيه قتيلة في شعر صبرا : [من الوافر]
__________________
(١) ١٨ يوسف : ١٢ ، وغيرها.
(٢) ٦٩ هود : ١١.
(٣) المفردات : ٢٧٤.
(٤) وفي س : التكليف.
(٥) ٥ إبراهيم : ١٤ ، وغيرها.
(٦) ٤٨ الطور : ٥٢ ، وغيرها.
(٧) النهاية : ٣ ٨.
(٨) وكذا قال ابن الأثير.