عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ)(١). وأنشد المأمون حين بغى عليه أخوه الأمين : [من البسيط]
يا طالب البغي إنّ البغي مصرعه |
|
فارتع فخير فعال المرء أعدله |
فلو بغى جبل يوما على جبل |
|
لاندكّ منه أعاليه وأسفله |
وقال آخر : [من الكامل].
ندم البغاة ولات ساعة مندم |
|
والبغي مرتع مبتغيه وخيم |
وقال الراغب : والبغي على ضربين : أحدهما محمود ، وهو يتجاوز الحقّ إلى الإحسان ، والفرض إلى التطوّع. والثاني مذموم ، وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل ، أو تجاوزه من الشّبه ، كما قال : «الحقّ بيّن والباطل بيّن وبين ذلك أمور مشتبهات» (٢) «ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه» (٣) ولأنّ البغي قد يكون محمودا ومذموما قال تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ)(٤) ، فخصّ العقوبة بمن بغيه بغير الحقّ.
قال الحبّانيّ (٥) : أصل البغي الحسد ، وسمّي الظلم بغيا لأن الحاسد ظالم. قلت : هو داخل في قولنا مجاوزة الحدّ ، لأنّ الحاسد تجاوز ما ليس له. واستدلّ على أن البغي الحسد بقوله : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)(٦). وقيل : البغي : الاستطالة على الناس والكبر. ومنه قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ)(٧).
__________________
(١) ٦٠ / الحج : ٢٢.
(٢) كشف الخفاء : ١ / ٤٣٨ ، الحديث رقم ١١٦٧ ، رواه الطبراني في الأوسط عن عمر. وانظر الفتح الكبير : ٢ / ٨٢.
(٣) انظر النهاية : ٢ / ١٩٤ لخلاف رواية الحديث.
(٤) ٤٢ / الشورى : ٤٢.
(٥) هو أبو حاتم محمد بن حبّان التميمي البستي الحباني ، كان إماما فاضلا ، تصانيفه كثيرة مشهورة ، سافر كثيرا في طلب الحديث. توفي ببست سنة ٣٥٤ ه (اللباب في تهذيب الأسماء : ١ / ٣٣٤).
(٦) ١٤ / الشورى : ٤٢ ، وغيرها.
(٧) ٣٣ / الأعراف : ٧.