قوله : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)(١) إشارة إلى ما عذّبت به الأمم السالفة (٢) من الجراد والقمّل ونحوهما ، وأنه إنما يرسلها تخويفا للمكلّفين قبل أن يحلّ بهم ما هو أفظع منها ، وهذه أخسّ للمأمورين. قال الراغب : وذلك أنّ الإنسان يتحرّى فعل الخير لأحد ثلاثة أمور ، إما رغبة ، أو رهبة وهو (٣) أدنى منزلة ، أو لطلب محمدة أو فضيلة. وهو أن يكون الشيء في نفسه فاضلا ، وذلك أشرف المنازل.
ولما كانت هذه الأمة خير أمة ـ كما قال (٤) ـ رفعهم عن هذه المنزلة ونبّه أنّه لا يعمّهم بالعذاب ، وإن كانت الجهلة منهم يقولون : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٥). وقيل : الآيات إشارة إلى الأدلّة (٦). ونبّه بذلك على أنه يقتصر معهم على الأدلّة ويصانون (٧) من العذاب الذي يستعجلونه في قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ)(٨).
وفي بعض المواضع آية بالإفراد وآيات بالجمع ، وذلك بحسب المقامات. وفي اشتقاق الآية قولان : أحدهما أنّها من أي المستفهم بها ، فإنها يتبيّن بها أيّ من أي (٩) والثاني أنها من قولهم : أوى إليه ، نقلهما الراغب. قلت : لأنّ أوي فيه معنى الانضمام. وفي الآية ضمّ ما ، واختلف في وزنها ، فقيل : وزنها فعلة (١٠) وأصلها أية فتحركت الياء الأولى ، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وهذا إعلال شاذ لأنه متى اجتمع حرفان مستحقّان للإعلال أعلّ ثانيهما لأنّ الأطراف محلّ التغيير نحو حياة ونواة وهوى وعوى ودوى. وشذّ عن ذلك التلفظ وهي آية وراية وطاية وغاية.
__________________
(١) ٥٩ الإسراء : ١٧.
(٢) وفي س : السابقة.
(٣) كذا عن الراغب ، وفي الأصل : أو.
(٤) أي قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) : ١١٠ / آل عمران : ٣.
(٥) ٣٢ / الأنفال : ٨.
(٦) في الأصل : الدلالة ، والتصويب من السياق ومن المفردات.
(٧) فراغ في الأصل قدر النصف الأول من الكلمة ، أتممناه من المفردات ص ٣٣.
(٨) ٤٧ / الحج : ٢٢.
(٩) ويقول الراغب (المفردات : ٣٢): «والصحيح أنها مشتقة من التأيّي الذي هو التثبّت والإقامة على الشيء. ويقال : تأيّ أي أرفق.
(١٠) وهذا قول الخليل (الكتاب : ٢ / ٣٨٨ بولاق ، وشرح الشافية للرضي : ٢ / ٥١ و ٣ / ١١٨ ، والمنصف : ٢ / ١٤٣ ، ١٩٧).