أحكام الله تعالى ـ أشرف المعلومات بعد ما ذكر. ومع ذلك فهو الناظم لأُمور المعاش ، وبه يتمُّ كمال نوع الإنسان» (١).
أقول : المستفاد من عبارة المصنِّف رحمهالله تفضيل علم الكلام على علم الفقه ، وهو كذلك عقلاً ونقلاً ، ولا ينافيه جعل العبادة غاية للخلق في قوله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٢) ؛ إذ لو لم يفسّر بالمعرفة نصّاً أو جمعاً لقلنا : إنَّ العبادة حقّها امتثال المعبود على وجه يليق بما يطلب من الطرق ، لا ما يفعل كيف ما اتَّفق ، وهذا لا يحصل إلا بالمعرفة ، وأن الشرف الذاتي للعلم إنَّما هو بالنظر إلى ضدَّه ـ أعني : الجهل ـ وأمّا تقدم بعضه على بعض في الشرف ، إنَّما يعرض له بالنظر إلى الغير لا بالذات كتقدُّم موضوعه ؛ لأنَّ العلم بحال ما هو أشرف ، أشرف معنى من العلم بحال ما ليس كذلك ، وموضوع علم الكلام هو ذات الباري تعالی ، ولا شكَّ أنَّه أشرف الموجودات ؛ فلذلك كانت له المرتبة الأولى من الشرافة بالنسبة إلى علم الفقه ، وهو أشرف العلوم من بعده.
قال جدّي في الدرة :
وأنَّ علمَ الفقهِ في العلومِ |
|
كالقَمَرِ البازغِ في النُّجوم |
بِنورِهِ مِنْ بَعدِ شَمسِ المَعرِفَةْ |
|
معالِمُ الدينِ عدَتْ مُنْكَشِفَةْ (٣) |
__________________
(١) معالم الدين : ٢٢.
(٢) الذاريات : ٥٦.
(٣) الدرة النجفية : ٢.