سبحانه مالك الملك ، والإشارات الواردة في الآيات التالية إلى انفجار الأنوار في صبح اليقين للعارفين وقد ضرب له موعد بين أواخر الليل والصبح ، والإشارة إلى خروج العارف من ليل الغفلة إلى صبح المعرفة كما قال سبحانه : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [الأنعام : ١٢٢] ، فالعملية إلهية ، يتولاها النور الأول جبريل حقيقة النبي ، ولهذا قلنا من قبل إن الحقيقة المحمدية حقيقة كل نبي ، ونور كل نبي ، ونور كل عارف ولي بلغ اليقين.
وتحدثنا عن نظرية المطاع للإمام الغزالي ، ولنا في المطاع نظرية أيضا أوردناها مفصلة في كتابنا الإنسان الكامل ، والمطاع هو الصوت الداخلي الذي يبعث ، بعد أن يطابق بين شقي النفس المنشطرين فيعودان وحدة كما ذكرنا قبل قليل ، وهذه الوحدة هي المطاع نفسه ، فالمطاع يطلع أولا على قمر القلب ، ثم يجمع بين المتضادات ، وهو مركز الدائرة الجامعة للأسماء التي تملأ الأفق ، فيسد هو الأفق كما رأى النبي جبريل يسد الأفق ، وخروج هذا الصوت ذي الصلصلة عظيم ، ملأ النبي رهبة وفزعا فأسرع إلى زوجه خديجة قائلا دثروني ، دثروني.
ولا يرتاب المؤمن حين يبلغ هذا الأفق ، فهو معتاد على صوت الضمير فيه ، سماع له ، عبد يأتمر بأمره ، فإذا ساقه الصوت إلى وادي جهنم ألقى نفسه فيه تنفيذا للأمر ، فإذا الجبار قد وضع قدمه في جهنم ، فتقول أطّ ، أطّ فتنطفئ ، وينبت فيها شجر الجرجير ، إشارة إلى حلول السّلام ، ومجيء اليقين والفتح المبين ، فتزول جهنم ، وتنطفىء نارها التي تصبح بردا وسلاما على قلوب العارفين ، والأمر منوط بمشيئته سبحانه ، وجاء في أسباب نزول الآية التاسعة والعشرين أن أبا جهل قال لما سمع : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير : ٢٨]. ذلك إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [التكوير : ٢٩] ، فخاتمة السورة وضعت حدا للنقاش الدائر حول المشيئة ، وكونها إنسانية حرة ، أم إلهية مقيدة ، وكتب الصوفية كلها تذكر أن الإنسان مجبور في اختياره ، وهو مضطر في صورة مختار ، وأنشد ابن عربي :
الحكم حكم الجبر والاضطرار |
|
ما ثم حكم يقتضي الاختيار |
إلا الذي يعزى إلينا ففي |
|
ظاهره بأنه عن خيار |
لو فكر الناظر فيه رأى |
|
بأنه المختار عن اضطرار |