قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم [ ج ٢ ]

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم [ ج ٢ ]

تحمیل

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم [ ج ٢ ]

51/584
*

الوجودين فالأفق الذي تبلغه اللغة لا يبلغه ، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تفكروا في ذات الله ، فالساقية لا تسع البحر ، والإنسان قطرة من الساقية ، فأنى له أن يحيط خبرا بالبحر؟

وضرب الله لنوره مثلا مشكاة ، والمشكاة المكان الذي يوضع فيه المصباح في الحائط ، وفي المشكاة مصباح ، والمصباح في زجاجة ، فإذا علمنا أن في الإنسان سر الله الأعظم كان الجسد هو المشكاة ، وكان العقل المصباح ، وكان الروح الزجاجة التي يكون فيها العقل باعتبار الروح اسم الله الظاهر والباطن ، وشبه الروح بالكوكب يوقد أي يستمد نوره بدوره من شجرة وصفت بأنها لا شرقية ولا غربية ، أي أن الروح أو العقل الأول كما جاء في الحديث ، أول ما خلق الله ، وهو النور المحمدي كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجابر : (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) ، وقال أيضا : (أنا من نور الله والمؤمنون من فيض نوري) ، وأورد عبد الكريم الجيلي حديث جابر : إن الله خلق نور النبي من ذاته ، وخلق العالم بأسره من روح محمد ، وهو الظاهر في الخلق باسم المظاهر.

والروح منفعل عن الله ، فاعل في الخلق ، فهو الواسط والوسيط ، وزيت الشجرة يكاد يضيء ، ولقوله : (يَكادُ) نكتة ، فالروح من غير الله لا يضيء ، وهو مضيء بالله ، فالروح أول متجوهر بالله ، وأول من تهوّى بهوية الله ، ولهذا كان الروح سرا من الأسرار التي لا يطالها الكشف ، ولا يحيط بها العقل الجزئي ، ولهذا قال سبحانه لما سئل النبي عن الروح : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥)) [الإسراء : ٨٥] ، وقوله سبحانه : (نُورٌ عَلى نُورٍ) [النّور : الآية ٣٥] يعني أن نور الروح من نور الله ، وللنور صفات على رأسها نور العلم الإلهي ، فالروح تضمن العلوم الإليهة بعد خلقه ولهذا كانت العلوم مرتقة فيه مطوية ، وهو الذي ينشرها بعد انتشاره هو في الجهات المشار إليها بشرقية وغربية ، فالروح واسطة الانتشار وواسطة التكثر ، ولهذا كان هو الوحدة من جهة ، وكان الكثرة من جهة أخرى ، ولهذا قيل إن الروح يتكثر من جهة معلولاته ، فمن جهة كونه واحدا صادرا عن الأحد فهو الهوية من كل مخلوق ، وهذه الهوية واحدة لدى الناس جميعا بل ولدى المخلوقات الباقية ، ولهذا سميت هوية بالمفرد ، والهوية تمثل النوع وتمثل الجنس باعتبارها الوحدة الجامعة ، والروح منزه عن المادة باعتبار وحدته ، وهو جوهر فرد أول ، صدرت عنه الجواهر التسعة الشريفة الأولى التي هي مقولات الوجود الإنساني وأساسه.

وقوله سبحانه : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) يعني اصطفاء الآحاد من الأرواح الجزئية واجتباء أصحابها لتعليمهم سر التوحيد العظيم ، فالروح هو جبريل الذي ظهر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسد الأفق ، إذ هو الأفق الجامع ، وهو الذي علم النبي ما لم يكن يعلم ، وهو الذي عرج به في