والآية تذكر
بأنه لا بد من الاعتراف بوجود الخلق ، وآية وجود هذا الخلق الماء المنزل من السماء
الذي أنبت حدائق ذات بهجة ، وتفسير الماء العلم ، والحدائق نتاج هذا العلم من
المعقولات والعاقلتين النظرية والعلمية ، والإنسان يتساءل عادة : لماذا توجد
الحياة على الأرض ولا توجد على الكواكب الأخرى كما تبين في علوم الفضاء الحديثة ..
ولماذا يعقل الإنسان وهو أفضل المخلوقات ، وهو ليس سوى مخلوق مثلها؟
فسواء آمن
الإنسان أم لم يؤمن فهو مضطر إلى التسليم بوجود العقل والعاقل والمعقول ، فإن آمن
رد العقل إلى الله باعتباره العقل والعاقل والمعقول ، أي أن الوجود العياني فتق
عقل مرتق ، وإن لم يؤمن ظل في دوامة السؤال : هذا العقل كيف تكون ، ولماذا كان
الإنسان عاقلا والحيوان غير عاقل ، ولماذا يتصرف الحيوان غير العاقل وفق غريزة
تكشف عن أنها عقل وعقل منظم مبرمج؟
٦١ ـ (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً
وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ
الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١))
[النمل : ٦١]
الأرض قرار
العلوم ، ولهذا يعد الإنسان أيضا أرضا ، والأنهار التي جعلت خلال هذه الأرض تفجر
العلوم في عقل الإنسان نفسه وهو فعل إلهي سنفصل الكلام فيه في موضع آخر ، والرواسي
الكليات التي يرتد إليها كل محسوس ويتكئ ، وبيّن هيجل أن هذه المحسوسات ما هي إلا
كليات ، وأنها في حقيقتها كماديات أثر بعد عين ، والحاجز بين البحرين العقل نفسه
فلقد بينا أن الوجود وجودان مادي وروحي ، والإنسان هو الجسر الممدود بين الوجودين
، ولهذا كان صورة إلهية وخليفة الله في الأرض ، فالحاجز هذا الكيان الإنسي الذي
جمع عقله بين الظهور والبطون فكان ظهورا للبطون وكان بطنا للظهور.
وقوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) [النّمل : الآية ٦٠] يعني أن هذه الصورة الإلهية المسماة آدم هي الله ظهورا
، وهذا ما أكدته أعلام الصوفية باعتبار الإنسان اسم الله الظاهر ، وأنه لا إله إلا
الله.
٦٢ ـ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا
دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ
قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢))
[النمل : ٦٢]
المضطر الواقف
بالباب داعيا سائلا راجيا الله أن يرزقه رزق الآخرة وهو العلم وكشف الأسرار ،
والله سبحانه ينزل ماء العلوم بقدر سعة الصدور.
وكشف السوء رفع
الضر وكشفه ، وهو جواب سؤال المضطر وذي الحاجة ، إذ الإنسان في سوء حتى يجتبيه ربه
ويهديه سبله فيصبح الإنسان من ثم خليفة ، وقليل من المفسرين من أدركوا