عمرو أذل عمرو زيدا ، وإذا انعكس الحال أذل زيد عمرا ، فالأسماء ليست وقفا على أحد إلا من باب التخصيص لتحقيق الفعل والمشيئة.
فالتحول شيمة الحياة ، ولهذا قال الحكيم هراقليطس : أنت لا تنزل في ماء النهر مرتين لأن الماء يتغير من حولك باستمرار ، ويرتبط التحول بفعل إلهي سماه سبحانه مكرا ، وسماه المكر الإلهي ، ولا تخاف الصوفية شيئا مثل خوفهم هذا المكر ، وإليه أشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلا : (أو ما يؤمنني أن القلب مثل ريشة في الفلاة تقلبها الريح كيف تشاء؟).
والهدف قوله سبحانه في الآية نفسها : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ ،) فالغاية اتخاذ الشهداء ، والشهيد من الشهادة ، والشهادة صغرى وكبرى ، وأصلها كما ورد في تعريف مقام الإحسان : (أن تعبد الله كأنك تراه) فالشهادة العلم بالله ، وتعرف الله عن طريق معرفة الأسماء والصفات.
وقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) يعني أنه سبحانه لا يحب أن يظلم عبده الأسماء التي هي لله لا للعبد ، فإذا تباهى عالم بعلمه ، دون أن يعلم من أنعم عليه بهذه الصفة فهو ظالم ، ظالم لنفسه وظالم لربه.
١٤٢ ـ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢))
[آل عمران : ١٤٢]
دخول الجنة رهين بتحقيق فعل الأسماء ، وعلى هذا فالعلم الإلهي هنا هو من باب الإحاطة ، والإحاطة الإلهية تشمل الماضي والحاضر والمستقبل ، فهو بكل شيء عليم ، علم القبل والآن والبعد ، لأن عيون الممكنات أصلا له.
فجهاد العبد نتيجة لازمة مثل كون الكريم نتيجة لازمة عن الاسم الكريم ، إذ يستحيل أن ينقلب الكريم بخيلا ، والله هو الكريم ، والعبد محل ممارسة هذا الاسم الإلهي عمله ، فخلق الإنسان كان لكي تمارس الأسماء الإلهية دورها ، فكان الإنسان مسرح الفعل وأداته ، وبعد الكشف يتبين للمكاشف أن الإنسان نفسه فان وظل ، وأنه ليس أكثر من مظهر.
فمن باب الأزلية ، والأزلية الخروج على السيرورة الزمانية ، فالله عليم بالمجاهدين من قبل أن يجاهدوا ، بل من قبل أن يخلقوا ، وكذلك هو عليم بالصابرين ، وقوله : (الصَّابِرِينَ) يعني تحقق اسم الصبر نفسه ، والصبر نتيجة إلهام روحي ، إذ أن من يشد أزر الإنسان في ساعة الشدة ، ويربط على قلبه ، هو صوت جواني ذاتي يلهم القلب الصبر ، وهذا الصوت هو الوحي الإلهي مثل قوله سبحانه مخاطبا موسى : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) إلى قوله : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ