مريم رمز النفس التي أتمت إحصاء المعقولات من الأسماء الإلهية التسعة والتسعين ، فأهلت لأن تكون محلا للإملاء الإلهي والنفث الروحي الذي عبر عنه بالنفخ من الروح ، ومريم وابنها آية باعتبار النفس الباطن والجسد الظاهر ، ولهذا قال عباس العقاد : يمكن أن يكون الله قد ظهر بصورة جميلة في المسيح وهذا لا يستلزم الكفر.
٩٢ ، ٩٦ ـ (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦))
[الأنبياء : ٩٢ ، ٩٦]
قوله سبحانه : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) يذكر بقوله في موضع آخر : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النّحل : ١٢٠] ، فالإشارة إلى الإنسان الكامل الذي هو الإنسان الكبير الذي ظهر به وفيه الحق سبحانه ، فما القرآن والفرقان والأنبياء والأولياء سوى ظهور الحقيقة الإلهية التي ظاهرها العالم وباطنها الروح ، وما سوى ذلك ليس إلا أداة لهذا الظهور ، فعن الحق صدر الروح ، ومن الروح صدرت النفس الكلية ، ومن النفس الكلية صدرت النفوس الجزئية ، والأمر كله وحدة تامة ولهذا قال سبحانه : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) فليس عند الله من أمم إلا هذه الأمة الواحدة ، وليس عنده دين إلا الإسلام أي الاستسلام لحقيقة وجودية جامعة ، ويمكن تشبيه الوجود الإلهي بكرة زجاجية باطنها الله وظاهرها الخلق وبينهما رقائق من المعاني المعقولة التي تكثف اللطيف ، وتلطف الكثيف ، ومجموعها الإنسان الخليفة.
٩٧ ، ١٠٠ ـ (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))
[الأنبياء : ٩٧ ، ١٠٠]
قلنا جهنم إشارة إلى البعد ، وحصب جهنم المعقولات المستخرجة من المحسوسات بالحواس والتي لها بها ارتباط وصلة لا انفصام لها ، فمهما فعل الإنسان فهو سجين العيان ظاهرا وأسير المعقول باطنا فهو وراء القضبان ولا يعلم كما جاء في الآية المائة ، وقوله : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) يعني أن لا معقول بلا عقل جوهر فرد يرد إليه ، فالمعقول ليس شيئا أمام الله ، وهو به قائم ، وعنه مشع ، ولهذا انتقدنا في كتابنا «الإنسان الكامل» نظرية أفلاطون في المثل والقائلة : إن هذه المثل موجودة حقا في عالم مفارق ، بينما يثبت الكشف