إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم [ ج ١ ]

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم [ ج ١ ]

تحمیل

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم [ ج ١ ]

619/626
*

لو لا هذا التضاد ما كان ثم داع للجهاد والمجاهدة ، وأنه لو لا الجهاد ما ميز المجاهد الخير من الشر كما قلنا ... أي أنه يكتشف أن التجربة الإنسانية سلسلة ذات حلقات كاملة متكاملة لا يمكن إسقاط حلقة منها ، وأنه بفضل هذا الصراع وصل الإنسان إلى ربه وإلى تعرف ربه عند ما تعرف إليه في النهاية ربه.

هذا المقام هو ما سمته الصوفية المكاشفة ، وكنا تحدثنا عنه من قبل ، ومنه ينتقل الإنسان المكاشف إلى المشاهدة بعد المرور بمرحلة التعليم اللدني وتعريفه استنباط المعقولات الإلهية من دون قياس منطقي ودليل منطقي ، ثم استنباط الحكم والأخلاق والشرائع من هذه المعقولات التي تأخذ في تعليم القلب عن طريق الرؤى في المنام ، وهذا المقام هو مقام النبوة ، وقال فيه عليه‌السلام الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وقال أيضا لم يبق من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ، وقال علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ، فالرؤيا الصالحة تولي الله الإنسان بالتعليم. وقال الدكتور مصطفى حلمي إن كان صاحب المنام من الصوفية ، فهو عندئذ من الأولياء الذين كشف عنهم الحجاب ، وانفتح لهم من علم الغيب كل باب ، ورؤياه التي رآها في منامه ، وصدقت في يقظته إنما هي كرامة من كراماته ، وقال الدكتور حلمي أيضا يرى القشيري أن الرؤى مصدر من مصادر المعرفة ، وكان اهتمامه بالرؤى يدل على أن سمة من سمات تجربته الذاتية تمتد من حياته الروحية إلى بحوثه ، وتدعوه إلى الاهتمام بها والتعويل عليها.

والخلاصة أن الصوفية عموما يعتمدون اعتمادا كليا على الرؤى لأنها الطريق الوحيد إلى عالم الباطن أي عالم الروح والحقيقة ، ولهذا قلنا إن ميدان هذا العالم الشعور والوجدان لا العقل العادي أو الفكر.

٧٨ ، ٧٩ ـ (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩))

[الأنبياء : ٧٨ ، ٧٩]

داود وسليمان إشارة إلى حال النبي والعارف بعد العروج إلى سماء إبراهيم حيث البيت المعمور بملائكة المعقولات ، فلإبراهيم كل المعقولات وهو حر في التصرف فيها ، ولهذا كانت النار بردا وسلاما عليه ، والنبي أو العارف بعد الوصول إلى شمس الوصول ، كما قال الغزالي ، يجد نفسه في كل موقف أمام خيارين ، فهو من ناحية بشر من لحم ودم يعيش كما يعيش الناس ، لكنه يزيد عليهم في الوحي أو الكشف ، كما سئل السهروردي يوما أأنت أفضل