٥١ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١))
[مريم : ٥١]
المخلص المصطفى ، وقد قرئت بالكسر أيضا ، فيكون الإخلاص سببا للاصطفاء ، وتقول الصوفية : لو لم يحبهم الله ما أحبوه ، فالبدء المشيئة الإلهية ، ويتبع هذا أن يتوجه العبد إلى ربه.
٥٢ ـ (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢))
[مريم : ٥٢]
الطور الأيمن إشارة إلى الجانب الأيمن من النفس أي الجانب الروحي الذي تشارفه النفس كما قال صلىاللهعليهوسلم : (إني لأجد نفس الرحمان من جانب اليمن) ، وتأكيد ذلك اتباع النداء بالقول وقربناه نجيا ، فالقرب إذن ذاتي قلبي ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : (ما وسعتني السموات ولا الأرض ولا الجبال ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين) ، فالقلب متى جلي اصطفي وصار أهلا للمناجاة ، والحقيقة أن المناجاة دائمة وإلا لما كان الإنسان ولما سمي إنسانا ، لأن الله قال في موضع آخر في وصف النفس : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٨ ، ٧] ، وقال : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [المجادلة : ٧] ، فأضاف مناجاته إلى نجوى البشر ، فتكون النتيجة أن نجوى البشر ونجوى الله نجوى واحدة ، ولهذا عرف الإنسان في الفلسفة بأنه : حيوان ناطق ، فنطق الإنسان إلهي وإلا لما نطق ... بل إن الحيوانات لتنطق بألسنتها مسبحة لله ولكننا لا نفقه تسبيحهم ، فما من شيء في الوجود إلا هو موضع المناجاة ، ولهذا يحاور الإنسان نفسه ظانا أنه يحاور نفسه ، وما يحاور إلا ربه ولا يعلم ، ولهذا قال سبحانه : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) [ق : ١٦].
أما نجوى الأنبياء والوارثين فهي على علم وإدراك ووعي ، فالنبي والولي مدركان النجوى الذاتية ، وهما يعلمان من يناجيان ، وكيف تتناجى المخلوقات بما في ذلك البشر ، فإذا كلم النبي نفسه ، فإنما هو يكلم ربه ، وكذلك إذا سمع الصوفي كلام البشر عرف من الناطق على ألسنة البشر ، قال الإمام علي رضي الله عنه : (كلم الله موسى بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا لهوات) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله كفاحا ليس بينه وبينه ترجمان).
وقال سقراط : منذ طفولتي يلازمني وحي هو عبارة عن صوت يطوف بي فينهاني عن بعض ما أكون قد اعتزمت أداءه.
٥٣ ـ (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣))
[مريم : ٥٣]
الإشارة إلى الصوت القدسي الذي يؤيد الإنسان وينصره وهو في الخلوة فيكون له نعم الأخ ونعم النصير.