يصدونهم عن ذكر الله ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ، فأتمروا ، واجتمعوا حول الوليد ، ليتعلموا ما ذا هم قائلون لمنع الحق ، وقد قال لهم أولا الحق على ريب فى نفسه.
قال لهم الوليد العارف الضال : إن وفود العرب ترد ، فأجمعوا فيه رأيا لا يكذب بعضكم بعضا.
قالوا : نقول «كاهن».
قال : والله ما هو بكاهن ، ما هو بزمزمته ، ولا سجعه.
قالوا : «مجنون».
قال : ما هو بمجنون ، ولا بخنقه ، ولا بوسوسته.
قالوا : فنقول «شاعر».
قال : ما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ، ومبسوطه ومقبوضه ما هو بشاعر.
قالوا : فنقول «ساحر».
قال : ما هو بساحر ولا نفثه ولا عقده.
قالوا : فما تقول أنت؟
قال : ما أنتم بقائلين فى هذا شيئا ، إلا وأنا أعرف أنه باطل ، وإن كان أقرب القول أنه ساحر ؛ فإنه سحر يفرق بين المرء وابنه ، والمرء وأخيه ، والمرء وزوجته ، والمرء وعشيرته. [فتفرقوا وجلسوا على السبل يحذرون الناس].
(ب) ولنذكر خبر عتبة بن أبى ربيعة ، فقد سمع القرآن وهو على الشرك. ومن كبراء قريش ، فأدرك بذوقه البيانى مقام القرآن ، وقال مقالة الحق : «والله قد سمعت قولا ما سمعت مثله قط ما هو بالشعر ولا بالكهانة».
(ج) وقد ورد فى حديث إسلام أبى ذر الغفارى أنه قال : «ما سمعت بأشعر من أخى أنيس ، لقد ناقض اثنى عشر شاعرا فى الجاهلية ، أنا أحدهم ، وقد انطلق إلى مكة ، وجاء أنيس إلى أبى ذر بخبر النبى صلىاللهعليهوسلم ، فقال أبو ذر : فما يقول الناس؟ قال :
يقولون شاعر كاهن ساحر. لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعته على أوزان الشعر فلم يلتئم ، وما يلتئم على لسان أحد ، وإنه لصادق وإنهم لكاذبون».
(د) إن كبار المعارضين للنبى صلىاللهعليهوسلم خافوا على أنفسهم من أن يؤثر القرآن فيهم واستحبوا الكفر على الإيمان واستحبوا العمى على الهدى ، ولذلك تفاهموا فيما بينهم ألا يسمعوا لهذا القرآن ؛ لأن الذين يسمعونه يتأثرون بما فيه من علو بيان ، وإنه فوق طاقة البشر ، ووجدوا الناس يؤمنون به فرادى ، ومنهم كبراء كانوا ذوى مقام وجبروت.