تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٧) [آل عمران : ٧].
فالتعبير بأم الكتاب تعبير مجازى بالاستعارة ، لأن الأم هى الأصل وهى التى تقوم على أولادها ، ويرجعون إليها فى غذائهم وعواطفهم ، فشبهت بها الآيات المحكمات التى هى أصل الدين ومرجعه ، وإذا كانت متشابهات ، فهى تفسر بالرجوع إلى هذا الأصل ، وهو المحكمات.
ومثل ذلك قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣٩) [الرعد : ٣٩] ، والتعبير مجازى بالاستعارة ، والمراد بالأم الأصل ، وهو الشريعة المتفقة فى كل الديانات ، فينسخ الله تعالى ، ويثبت ، ولكن أصل هذه الشرائع لا يتغير ، وهو الذى بينه الله تعالى فى قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (١٣) [الشورى : ١٣].
ومن الاستعارة فى الأفعال قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) [التوبة : ١١١]. فقد شبه سبحانه وتعالى تقديم المؤمنين أنفسهم رجاء ما عنده من نعيم مقيم ، ورضوان من الله أكبر ، شبه ذلك بمبايعة بينهم وبين ربهم لكمال الالتزام عليهم ، ورجاء ما طلبوه من رضوان ونعيم مقيم ، وهى استعارة تمثيلية ، والاستعارة التمثيلية فيها تشبيه حال بحال ، لا تشبيه ألفاظ مفردة بمثلها ، وإن المشبه محذوف ، ولذا تحقق كونها استعارة.
ومن الاستعارة التعبير عن النفاق بالمرض ، وإن ذلك كثير فى القرآن ومنه قوله تعالى فى وصف المنافقين : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [البقرة : ١٠] ، وقوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١٢٥) [التوبة : ١٢٤ ، ١٢٥].
وفى الآيتين الكريمتين نجده سبحانه وتعالى عبر عن النفاق بالمرض ، وذلك للمشابهة بين مرض الأجساد والنفاق فهو يفسد القلوب ، والعقول والمدارك ، كما يفسد المرض الأجساد ويضعف الحركات وقد يشلها ، ومعه الوهن دائما.
ومن الاستعارات القرآنية التى تعلو إلى أسمى مراتب البلاغة ، ولا يصل إليها بيان إنسانى ، إنما هو بيان القرآن فقط قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً