قوله تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) أخبر الله النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه إذا رجع من الحديبية إلى المدينة ، أتاه الأعراب الذين يخلفون عنه بغير عذر ، ولم يخرجوا معه وهم مزينة وجهينة وغطفان وقوم من الدّيل ، فيقولون له : شغلتنا أموالنا وأهلونا عن الخروج معك يا محمد ، أي شغلتنا النساء والذراري فلم يكن لنا من يخلفنا فيهم ، (فَاسْتَغْفِرْ لَنا ؛) من التخلّف عنك.
قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ؛) أي يسألون المغفرة بألسنتهم (ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) يعني : لأنّهم لا يبالون أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم.
وقد كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم حين أراد المسير إلى مكّة عام الحديبية ، استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يحاربوه ويصرفوه عن البيت ، وأحرم عليهالسلام بالعمرة وساق الهدي ليعلم النّاس أنّه لا يريد حربا ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب وقالوا : نذهب معه إلى قوم قد جاءوا يقتلون أصحابه فيقاتلهم ، فتخلّفوا عنه ، واعتلّوا بالشّغل ، فأنزل الله تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا) الآية.
قوله تعالى : (فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ؛) معناه : من يمنعكم من عذاب الله إن أقمتم على الكفر والنفاق ، (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١١) ؛ معناه : بل كان الله عالما بتخلّفكم عن القتال من غير عذر.
قرأ حمزة والكسائي وخلف (ضرّا) بضم الضاد وهو سوء الحال ، وقرأ الباقون (ضرّا) بفتح الضاد لأنه قابله بالنفع ، وأراد بالنفع الغنيمة. وذلك أنّهم ظنّوا أن تخلّفهم عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم يدفع عنهم الضّرّ ، ويعجّل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم ، فأخبرهم الله تعالى أنه إن أراد بهم شيئا لم يقدر أحد على دفعه عنهم.
قوله تعالى : (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) أظهر الله نفاقهم ، وبيّن أنّ تخلّفهم عنه لم يكن بسبب أموالهم وأهليهم ، ولكن كانوا