اجتنبوا الطاغوت وأنابوا إلى الله لا غيرهم ، لأنه تعالى يريد أن يكونوا مع
الاجتناب والإنابة على هذه الصفة فوضع الظاهر موضع المضمر ، وأراد أن يكونوا نقادا في الدين من حيث التمييز بين الحسن
والأحسن ، أي إذا اعترضهم أمران واحد ومندوب اختاروا الواجب وكذا المباح والمندوب
حرصا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثوابا ، والمراد من (الْقَوْلَ) القرآن وغيره ، أي يستمعونهما (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي القرآن أو يستمعون القرآن فيتبعون أحسن ما فيه من
أحكامه نحو القصاص والعفو فيأخذون العفو لقوله (وَأَنْ تَعْفُوا
أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) أي وفقهم الله لأخذ عزائم القرآن ، وهي أحسن من
المندوبات وهذه أحسن من المباحات (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا
الْأَلْبابِ) [١٨] أي ذووا العقول الكاملة.
(أَفَمَنْ حَقَّ
عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩))
(أَفَمَنْ حَقَّ) أي وجب (عَلَيْهِ) من الكفار (كَلِمَةُ الْعَذابِ) وهي (لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، و (مَنْ) شرط والفاء عطف على مقدر والهمزة للإنكار ، تقديره :
أأنت مالك أمرهم ، فمن حق عليه العذاب على معنى الشرط ، وجزاؤه محذوف وهو فأنت
تهديه بدلالة قوله (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ
مَنْ فِي النَّارِ) [١٩] وقيل : جزاؤه (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) ، وكررت الهمزة لتأكيد معنى الإنكار والاستبعاد ووضع (مَنْ فِي النَّارِ) موضع الضمير جعل استحقاقهم النار كأنهم فيها في الدنيا ، وجعل إنذار النبي عليهالسلام إياهم كانقاذهم منها ، والمعنى : أنت لا تقدر على هداية
الكفار المستحقين دخول النار بتحصيل للإيمان فيهم.
(لكِنِ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ
ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ
مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي
الْأَلْبابِ (٢١))
ثم ذكر حال
المتقين بعد ذكر حال الكافرين فقال (لكِنِ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) أي وحدوه وأطاعوه (لَهُمْ غُرَفٌ) أي علالي (مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) في الجنة (مَبْنِيَّةٌ) كبناء المنازل في الأرض بعضها فوق بعض (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي من تحت الغرف الفوقانية والتحتانية (الْأَنْهارُ) من غير تفاوت بين العلو والسفل ، قوله (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد ، أي وعده الله وعدا في القرآن (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ [٢٠] أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) أي من السماء (ماءً) وهو المطر (فَسَلَكَهُ) أي أدخله (يَنابِيعَ) عيونا ومجاري (فِي الْأَرْضِ) فكل ماء في الأرض من السماء (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً
مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) من أخضر وأحمر وأصفر وغيرها (ثُمَّ يَهِيجُ) أي يتم ويشتد (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) أي يابسا بعد خضرته أو متغيرا عن حاله (ثُمَّ يَجْعَلُهُ) أي ثم ترى يجعله (حُطاماً) أي فتاتا متكسرا (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من صنع الله (لَذِكْرى) أي لعظة (لِأُولِي الْأَلْبابِ) [٢١] أي لذوي العقول.
(أَفَمَنْ شَرَحَ
اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ
لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢))
(أَفَمَنْ شَرَحَ
اللهُ) أي وسع الله (صَدْرَهُ) أي قلبه (لِلْإِسْلامِ) أي لقبول التوحيد (فَهُوَ عَلى نُورٍ) أي على هدى وشريعة واضحة (مِنْ رَبِّهِ) وجواب الشرط محذوف وهو كمن قسا قلبه وطبع عليه وتقدير
الهمزة للإنكار وفاء العطف : أاستوى المؤمن والكافر (فَمَنْ شَرَحَ اللهُ
صَدْرَهُ) الآية (فَوَيْلٌ
لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) أي العذاب الشديد لمن قست ويبست قلوبهم (مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أي من سماع القرآن ، لأن الكفار كانوا إذا سمعوا القرآن
وإنذاره ازدادوا كفرا وإعراضا عن ذكر الله (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٢٢] أي في خطأ ظاهر.
__________________