أنه وضع السكين على حلقه فلم يعمل فشحذه مرارا ووضعه عليه فمنعه القدرة الإلهية (١) ، فكان ذلك بمنزلة الذبح الصادق (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [١٠٥] أي المطيعين بأمرنا وهو تعليل لإعطائهما الفرج بعد الشدة.
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧))
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [١٠٦] أي هذا الذبح هو الاختبار البين لإبراهيم وولده الذبيح وأمه (وَفَدَيْناهُ) أي خلصنا الذبيح ببدل من الذبح (بِذِبْحٍ) بالكسر ، أي بكبش (عَظِيمٍ) [١٠٧] من الجنة وهو اسم ما يذبح ، وبالفتح مصدر ، وأسند الفداء إلى السبب الممكن من الفداء بهبته فكأن الفادي إبراهيم عليهالسلام حقيقة لا الله ، لأنه المفتدي منه لكونه آمرا بالذبح فلا يكون فاديا ، والكبش هو الذي قربه هابيل وكان عظيم الجسم فلما ذبحه قال جبرائيل الله أكبر ، فقال الذبيح لا إله إلا الله والله أكبر فقال إبراهيم الله أكبر ولله الحمد ، فبقي سنة ، والفائدة في وضع ذبح الكبش مقام حقيقة الذبح في نفس إسمعيل أن يكمل منه الوفاء بالمنذور وإيجاد المأمور به من كل وجه.
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠))
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) [١٠٨] أي أبقينا على إبراهيم الثناء الحسن وهو (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) [١٠٩] في الأمم الباقين بعده (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [١١٠] وإنما ترك «إنا» ههنا اكتفاء بذكره مرة.
(إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢))
(إِنَّهُ) أي إبراهيم (مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [١١١] أي المصدقين بالتوحيد ، (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ) أي بوجوده بعد ما أمرناه بذبح إسمعيل وكان أكبر من إسحق بثلاث عشرة سنة ، قوله (نَبِيًّا) حال مقدرة من «إسحاق» ، والعامل فيها الوجود المقدر ، أي يوجد نبيا لا فعل البشارة لأنه لم يكن نبيا حينئذ ، قوله (مِنَ الصَّالِحِينَ) [١١٢] حال ثانية ذكره لزيادة (٢) مبالغة في مدحه ، إذ كل نبي صالح ، قيل : ومما يدل على أن الذبيح إسمعيل دون إسحق ، قوله (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ)(٣) وقوله (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٤) ، فلو كان الذبيح إسحق لكان خلفا للوعد في يعقوب.
(وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣))
(وَبارَكْنا عَلَيْهِ) أي على إبراهيم بتكثير ذريته وأمواله (وَعَلى إِسْحاقَ) ولده وبركته جعله تعالى أكثر العلماء من نسله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ) أي مؤمن كموسى وهرون وداود وسليمان وعيسى ومن آمن من أهل الكتاب (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) [١١٣] أي بين الظلم وهو من كفر بآيات الله ولقائه.
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨))
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢))
(وَلَقَدْ مَنَنَّا) أي أنعمنا (عَلى مُوسى وَهارُونَ) [١١٤] بالنبوة (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما) بني إسرائيل (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [١١٥] أي من الغرق والاستعباد (وَنَصَرْناهُمْ) أي بني إسرائيل (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) [١١٦] بالجنة على فرعون وقومه (وَآتَيْناهُمَا) أي موسى وهرون (الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) [١١٧] أي المتناهي في بيان الأحكام من الحلال والحرام (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [١١٨] أي ثبتناهما عليه (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ) [١١٩] أي في
__________________
(١) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ٥٦٩.
(٢) لزيادة ، ح : ـ وي.
(٣) هود (١١) ، ٧١.
(٤) هود (١١) ، ٧١ ؛ نقل المفسر هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٥٦٨.