آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١))
(قُلْنا) مقول قول مقدر ، أي قال الله قلنا لموسى (لا تَخَفْ إِنَّكَ) أي لأنك (أَنْتَ الْأَعْلى) [٦٨] أي الغالب القاهر لهم (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ) بالجزم جواب الأمر (١) مشددا ومخففا ، وقرئ بالرفع والتخفيف (٢) حالا مقدرة من «ما» أو من «موسى» ، لأنه سبب التلقف ، أي تلقم (ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) بالتنكير والإفراد ، لأن القصد فيه معنى الجنسية لا العدد وبالألف ، أي عمله ومكره ، وبغير الألف (٣) ، يعني كيد سحر (٤) باضافة الجنس إلى النوع تبيينا كعلم فقه ، و «ما» في (إِنَّما) موصلوة بمعنى الذي صنعوه كيد سحر الساحر (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [٦٩] من الأرض وعمل السحر فيها ، فألقى موسى عصاه فوقع الحق وبطل عملهم ، (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) أي من سرعة سجودهم كأنهم ألقوا شكرا لله تعالى على الهداية ، روي : أنهم رأوا الجنة ومنازلهم التي يصيرون إليها فيها في سجودهم (٥) ، ثم رفعوا رؤوسهم وهم (قالُوا آمَنَّا) أي صدقنا (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى [٧٠] قالَ) لهم فرعون (آمَنْتُمْ لَهُ) أي بموسى (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي آمركم به (إِنَّهُ) أي موسى (لَكَبِيرُكُمُ) أي لمعلمكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) وإنما أراد به (٦) التلبيس على قومه ، لأنه عالم أن موسى ما علمهم السحر ، ثم هددهم بقوله (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) والقطع من خلاف ، أي يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، و (مِنْ) فيه لابتداء الغاية ، أي ابتدأ القطع من مخالفة العضو العضو (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي على أصول النخل في شاطئ النيل ، وجاء ب (فِي) ليفيد تمكن المصلوب بالخشبة تمكن المظروف بالظرف (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) [٧١] أي أدوم أنا على أيمانكم بموسى أم رب موسى على ترك الإيمان به من جهة العذاب.
(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢))
(قالُوا) أي السحرة (لَنْ نُؤْثِرَكَ) أي لن نختارك وطاعتك (عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) أي على الله ودينه بعد ما جاءنا من الحجج الدالة على صدق موسى وهي اليد البيضاء والعصا ، وكان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحرا فأين حبالك وعصينا؟ قوله (وَالَّذِي فَطَرَنا) أي خلقنا يجوز أن يكون قسما وأن يكون معطوفا على محل (ما جاءَنا (فَاقْضِ) أي احكم فينا (ما أَنْتَ قاضٍ) أي الذي (٧) أنت فيه حاكم من القطع والصلب (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) [٧٢] أي إنما تحكم فينا مدة حياتنا فلا جزع.
(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤))
(إِنَّا) أي لأنا (آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) وهي ما علمنا من الشرك (وَما أَكْرَهْتَنا) أي ويغفر الذي أكرهتنا (عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) روي : «أن فرعون أكرههم على تعلم السحر وعمله» (٨) ، وروي : أنهم رأوا موسى
__________________
(١) الأمر ، ح ي : للأمر ، و.
(٢) «تلقف» : قرأ ابن ذكوان بفتح اللام وتشديد القاف ورفع الفاء ، وقرأ حفص باسكان اللام وتخفيف القاف وجزم الفاء ، والباقون بفتح اللام وتشديد القاف وجزم الفاء ، وشدد البزي التاء وصلا. البدور الزاهرة ، ٢٠٥.
(٣) «ساحر» : قرأ الأخوان وخلف بكسر السين وإسكان الحاء من غير ألف ، والباقون بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء. البدور الزاهرة ، ٢٠٥.
(٤) الساحر ، + ح.
(٥) قد أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٤ / ٣٩.
(٦) وإنما أراد به ، ح : وأراد به ، وي.
(٧) الذي ، ح ي : ـ و.
(٨) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٢ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٣٥٠ ؛ والكشاف ، ٤ / ٤٠.