شيء في الأرض ولا في السماء ولكنه أراد أني لا أدعوك عليهم لما آذوني ، وإنما أدعوك لأجل دينك.
(فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ) أي احكم (فَتْحاً) بينا ، لأنهم كذبوني في وحيك ورسالتك (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [١١٨] فَأَنْجَيْناهُ) أي نوحا (وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [١١٩] أي في السفينة المملوة من الرجال والنساء والخيل وغيرها من كل حيوان زوجين ذكر وأنثى.
(ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) [١٢٠] أي بعد من أنجيناهم في السفينة من بقي ممن لا يركب السفينة ، و (بَعْدُ) مبني على الضم بعد حذف المضاف إليه مع النية.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي لعبرة لمن استكبر عن قبول الحق (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [١٢١] بنوح من قومه ، قيل : من آمن به منهم ثمانون نفسا من الرجال والنساء (١).
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢) كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦))
(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨))
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [١٢٢] كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) [١٢٣] أي هودا ومن قبله من الرسل.
(إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ [١٢٤] إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ [١٢٥] فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ [١٢٦] وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ [١٢٧] أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) أي بكل طريق أو الجبل ، وال «ريع» المكان المرتفع بفتح الراء وكسرها لغتان (آيَةً) أي علامة (تَعْبَثُونَ) [١٢٨] أي تسخرون وتلعبون لمن مر بكم وهو حال من ضمير (تَبْنُونَ) ، وقيل : «بنوا بروج الحمام ولعبوا بها» (٢).
(وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠))
(وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) أي مآخذ الماء ، جمع مصنعة ، وقيل : «كالقصور العالية» (٣) ، أي الحصون (٤)(لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) [١٢٩] أي ترجون الخلود في الدنيا.
(وَإِذا بَطَشْتُمْ) أي أخذتم بشدة أحدا (بَطَشْتُمْ) أي عاقبتم بسيف أو سوط فكان ذلك ظلما وعلوا ، ولذا قال بطشتم (جَبَّارِينَ) [١٣٠] قيل : الجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب ولا يتفكر في العاقبة (٥).
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥))
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ [١٣١] وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ) أي أعطاكم (بِما تَعْلَمُونَ) [١٣٢] أي ما تعرفون من كل خير ، فيه مبالغة في تنبيههم على نعم الله تعالى حيث أجملها ، ثم فصلها وعددها عليهم بقوله (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) [١٣٣] وإنما قرنهم بالأنعام ، لأن البنين هم الذين يعينونهم على حفظها.
(وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [١٣٤] لمصالحكم ومنافعكم فعرفهم المنعم بتعديد ما يعلمون من نعمه ، أي فهو قادر على الثواب والعقاب كما قدر على التفضل عليكم بهذه النعم فاتقوه.
قوله (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [١٣٥] زيادة تهديد لهم.
(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧))
(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ) أي خوفتنا بالعذاب (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) [١٣٦] أي المخوفين به ، فلا
__________________
(١) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٤٧٨.
(٢) ذكر سعيد بن جبير ومجاهد نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٧٠.
(٣) ذكر مجاهد نحوه ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٧١.
(٤) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٧١.
(٥) اختصره من الكشاف ، ٤ / ١٧٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٢٧١.