نصح به أولا نفسه وبنى عليه تدبير أمره لينظروا فيقولوا ما أردنا لنا إلا ما أراد لنفسه ليكون أدعاهم إلى القبول وابعث على الاستماع منه ليؤمنوا (١) ، أي هم أعدائي (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [٧٧] استثناء منقطع ، أي لكن رب العالمين هو (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) [٧٨] إلى (٢) صلاح الدارين (٣) ، وجاء بالفاء في (فَهُوَ) بعد خلقني للإيذان أن هدايته وجدت عقيب خلقه ونفخ الروح فيه فهدى إلى (٤) الاهتداء بدم الحيض في البطن امتصاصا ، ثم هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة وهداه لكيفية الارتضاع إلى غير ذلك من المصالح الدينية والدنيوية.
(وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) [٧٩] أي هو الذي يحييني بطعامه ويربيني بشرابه.
(وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١))
(وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [٨٠] من المرض وإنما أضاف المرض إليه ولم يقل أمرضني تأدبا مع ربه أو لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في الطعام والشراب وغيرهما.
(وَالَّذِي يُمِيتُنِي) في الدنيا (ثُمَّ يُحْيِينِ) [٨١] في الآخرة.
(وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢))
(وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) وهي ما يندر منه من الصغائر (يَوْمَ الدِّينِ) [٨٢] أي يوم الجزاء وهي مكفرة له لكنه قال ذلك تواضعا لله ، لأن استغفار الأنبياء تواضع لربهم وهضم لأنفسهم ، وعلق المغفرة ب (يَوْمَ الدِّينِ) وإن وجدت هنا لأن فائدتها تظهر ثم ، وقيل : المراد من الخطيئة قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ)(٥) و (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ)(٦) للصنم ، وهي أختي لسارة ، وهذا ربي للكوكب (٧) ، وقيل : الكلمات المذكورة من التعريض بهم وبأحوالهم لأن الأنبياء معصومون من الخطايا (٨).
(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦))
(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) أي الحكم بالحق بين الناس ، وقيل : نبوة (٩) ، لأن النبي ذو حكم بين عباد الله (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [٨٣] أي وفقني لعمل الصالحين انتظم به في جملتهم أو ألحقني بآبائي المرسلين.
(وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ) أي ذكرا جميلا وثناء حسنا (فِي الْآخِرِينَ) [٨٤] أي في الأمم بعده ، فكل الأمم يتوالاه ويحبه.
(وَاجْعَلْنِي) وارثا (مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [٨٥] وَاغْفِرْ لِأَبِي) أي وفقه (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [٨٦] عن طريق الهداية.
(وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩))
(وَلا تُخْزِنِي) أي لا تفضحني (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [٨٧] أي يوم يبعث العباد من قبورهم لما علموا أنه مغفور ، ويجوز أن يكون الضمير ل (الضَّالِّينَ) ، أي لا تخزني يوم يبعث الضالون وأبي منهم وقد استغفرت له.
قوله (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ) بدل من (يَوْمَ يُبْعَثُونَ (وَلا بَنُونَ [٨٨] إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [٨٩] استثناء منقطع ، تقديره : لكن حال من (أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) تنفعه وهي سلامة القلب وليست من الجنس الأول وإنما
__________________
(١) ليؤمنوا ، ح ي : ليتيقنوا ، و.
(٢) إلى ، ح ي : أي ، و.
(٣) الدارين ، ح ي : للدارين ، و.
(٤) إلى ، ح ي : أي ، و.
(٥) الصافات (٣٧) ، ٨٩.
(٦) الأنبياء (٢١) ، ٦٣.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٤٧٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ١٧١.
(٨) نقل المؤلف هذا المعنى عن الكشاف ، ٤ / ١٧١.
(٩) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٤ / ٢٦٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٧٦.