(قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣))
(قالَ) موسى (كَلَّا) أي ارتدعوا عن ظنكم فانهم لن يدركونا (إِنَّ مَعِي رَبِّي) بعلمه وحفظه إياي (سَيَهْدِينِ) [٦٢] إلى طريق النجاة ولما وصل موسى إلى البحر جاء بموج كالجبال فقال يوشع : يا كليم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا قال ههنا مشيرا إلى البحر ولا يدري ما يصنع فخاض يوشع الماء (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) وضرب بعصاه البحر (فَانْفَلَقَ) ماء البحر فرقا (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ) أي كالجبل (الْعَظِيمِ) [٦٣] المرتفع في السماء وهو بحر إساف من وراء مصر ، وقيل : بحر قلزوم (١) ، فدخلوا فقال موسى عند ذلك يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء.
(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦))
(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ) أي قربنا (الْآخَرِينَ) [٦٤] وهم القبط من بني إسرائيل أو جمعناهم حيث انفلق البحر وأدخلناهم فيه حتى لا ينجو منهم أحد.
(وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ) من الغرق (أَجْمَعِينَ [٦٥] ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) [٦٦] أي القبط.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠))
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إهلاك القبط وإنجاء موسى ومن معه (لَآيَةً) أي لغبرة للمعتبرين فيما صنعنا (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [٦٧] قيل : لم يكن بينهم مؤمن إلا ثلاث أنفس ، خزقيل وأسية امرأة فرعون ومريم بنت ناموسا ، وهي دلت موسى على عظام يوسف عليهالسلام في البحر (٢).
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) أي المنتقم من أعدائه (الرَّحِيمُ) [٦٨] بأوليائه.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) أي على كفار مكة (نَبَأَ) أي خبر (إِبْراهِيمَ [٦٩] إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) [٧٠] سؤال عن المعبود فحسب.
(قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥))
(قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) ولم يكتفوا بذكرها بل زادوا في الجواب نعبد افتخارا بعبادتها ، ولذلك عطفوا على قولهم (نَعْبُدُ (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) [٧١] أي مقيمين وإنما قالوا (فَنَظَلُّ) لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.
(قالَ) إبراهيم (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) أي يسمعون دعاءكم (إِذْ تَدْعُونَ [٧٢] أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) أي عبدتموهم (أَوْ يَضُرُّونَ) [٧٣] إن تركتم عبادته وأجابوه بجواب المقلدين لعجزهم عن البرهان الصحيح.
(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) [٧٤] فقلدناهم.
(قالَ أَفَرَأَيْتُمْ) أي أأعلمكم بالاستفهام للتقرير (ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) [٧٥] أي الذين تعبدونهم من دون الله.
(أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩))
(أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ [٧٦] فَإِنَّهُمْ) أي الأصنام التي تعبدونها أنتم وآباؤكم (عَدُوٌّ لِي) على معنى فكرت في أمري فعلمت أن عبادتها عبادة للعدو فاجتنبتها ، وقال عدو لي دون لكم لزيادة نصح لهم وتأدب ، لأنه
__________________
(١) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٤ / ١٦٩.
(٢) نقله المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٢٦٤.