ثم انطلق معه إلى النبي عليهالسلام فوجده (١) ، وقد أنزلت عليه هذه الآية ، فأمر بأن يستأذن العبيد والإماء (وَ) الأطفال (الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) من الأحرار في الدخول عليهم (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) أي في ثلاثة أوقات في اليوم والليلة ، قوله (مِنْ قَبْلِ) بيان ل (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) أو بدل منه ، أي ليستأذنوا قبل (صَلاةِ الْفَجْرِ) لأنه وقت القيام من المضاجع (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) أي وقت الظهر للقيلولة (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) لأن وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم ، فالاستئذان مشروع لهؤلاء في هذه الأوقات الثلاث ولغيرهم في جميع الأوقات (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) بالنصب بدل من (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، أي أوقات ثلاث عورات ، وبالرفع (٢) ، أي هذه أوقات ثلاث عورات ، والعورة الخلل ، ويسمى هذه الأوقات بها ، لأنه يختل تستر الناس وتحفظهم فيها (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ) محله رفع إذا رفع (ثَلاثُ عَوْراتٍ) صفة له ، وإذا نصب فلا محل له ، بل هو كلام مقرر للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة (بَعْدَهُنَّ) أي بعد هذه الأوقات ، يعني بعد الاستئذان فيها ، أي لا إثم عليكم ولا على المذكورين في الدخول بغير استئذان ، ثم عذرهم في ترك الاستئذان عدا هذه الأوقات ، فقال هم (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) للخدمة وهو وجه العذر ، يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المداخلة بينكم لأنكم تطوفون عليهم للاستخدام وهم عليكم للخدمة ، فلو أوجب الاستئذان في كل وقت لأدى إلى الحرج ، قوله (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) مبتدأ وخبر ، أي بعضكم طائفة على بعض ، دل عليه السياق ، وهذه الجملة مؤكدة مبينة لما قبلها ، قيل : هذه الآية منسوخة (٣) ، وقيل : محكمة (٤) حتى أوجب الاستئذان على الأم والأخت (كَذلِكَ) أي مثل هذا البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي أحكام القرآن (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [٥٨] أي يعلم بصلاح الناس ويحكم بالاستئذان ليدخل بعضهم على بعض بغير إذن.
(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩))
(وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) أي الاحتلام ، والمراد الأحرار من الغلمان (فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وهم من بلغ قبلهم من الأحرار ، أي كالرجال واعتبار البلوغ بالسن بثماني عشرة سنة للغلام ، وسبع عشرة سنة للجارية عند أبي حنيفة رحمهالله ، وبخمس عشرة سنة فيهما عند الأكثرين (٥)(كَذلِكَ) أي كهذا البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أي أحكامه من الأمر والنهي (وَاللهُ عَلِيمٌ) بصلاح الخلق (حَكِيمٌ) [٥٩] يحكم بالاستئذان وعدمه بالحكمة.
(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠))
قوله (وَالْقَواعِدُ) مبتدأ ، جمع القاعد بلا هاء ، و (مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) بيان للقاعد ، وهي التي قعدت ، أي آيست عن الحيض والولد لكبر السن ، وخبر المبتدأ (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ) أي بوضعهن (ثِيابَهُنَّ) من الجلباب والإزار فوق الثياب والقناع فوق الخمار ، ودخل الفاء في (فَلَيْسَ) لكون الألف واللام في (الْقَواعِدُ) بمعنى «التي» ، وفيه معنى الشرط (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) نصب على الحال من فاعل (يَضَعْنَ) ، أي غير مظهرات زينة خفية كالسوار والخلخال والقلادة ، لكن لطلب التخفيف جاز الوضع لهن ، قوله (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) مبتدأ وخبر ، أي طلبهن العفة عن التبرج ووضع الثياب خير لهن من تركه (وَاللهُ
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٤٨ ؛ والواحدي ، ٢٧٥ ـ ٢٧٦.
(٢) ثَلاثُ عَوْراتٍ» : قرأ شعبة والأخوان وخلف بنصب الثاء وغيرهم بالرفع. البدور الزاهرة ، ٢٢٥.
(٣) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٢١٨ ؛ وانظر أيضا النحاس ، ١٩٧ ـ ١٩٩ ؛ وهبة الله بن سلامة ، ٧٠.
(٤) وهذا قول الشعبي وسعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٤ / ٢١٨.
(٥) الأكثرين ، ح ي : الأكثر ، و.