العابد (وَالْمَطْلُوبُ) [٧٣] أي المعبود.
(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤))
قوله (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عظموه حق عظمته حيث أشركوا به غيره أو ما عرفوه حق معرفته حيث لم يعلموا ربوبيته ولم يشكروا نعمه ، نزل في حق اليهود الذين قالوا خلق الله السماء والأرض في ستة أيام ، ثم استلقى فاستراح ووضح إحدى رجليه على الأخرى وكذب أعداء الله في وصفه تعالى (١)(إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ) في أمره وخلقه ليس كمعبودهم بلا قوة (عَزِيزٌ) [٧٤] أي منيع في ملكه ومنتقم ممن لا يوحده.
(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥))
(اللهُ يَصْطَفِي) أي يختار (مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) إلى خلقه كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت والحفظة الكتبة ، قوله (وَمِنَ النَّاسِ) عطف على (الْمَلائِكَةِ) ، أي يختار منهم رسلا كمحمد وعيسى وموسى وإبراهيم ونوح عليهمالسلام أرسلهم إلى خلقه ليدعوهم إلى دينه ، ففيه بيان أن رسل الله على ضربين ملائكة وبشر (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لمقالتهم (بَصِيرٌ) [٧٥] لمن يصلح للرسالة فيختاره ويجعله رسولا رد لقول الوليد بن المغيرة حين قال أأنزل عليه الذكر من بيننا.
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦))
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي من أمر الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [٧٦] أي الأمر كله إليه لا يسأل عما يفعل في حكمه وتدبيره واختيار رسله عواقب أمور العباد في الآخرة من الثواب والعقاب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) أي صلوا بالركوع والسجود وإنما أمرهم بذلك ، لأنهم أول ما أسلموا كانوا يسجدون بغير ركوع (وَاعْبُدُوا) أي وحدوا (رَبَّكُمْ) وأطيعوه بالصوم والزكوة والحج والجهاد (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) أي افعلوا سائر الخيرات وأكثروها ما استطعتم (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [٧٧] أي افعلوا راجين الفلاح من عذاب الله من غير اعتماد على أعمالكم ، روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه : «فضلت سورة الحج بسجدتين» (٢) ، وفي رواية : «إن لم تسجدهما فلا تقرأهما» (٣) ، وهو حجة للشافعي رضي الله عنه في إثبات السجدتين ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه هي سجدة صلوة بدليل اقترانها بالركوع ، فمعناه : اركعوا واسجدوا في الصلوات المفروضة وفي صلوة التطوع.
(وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))
(وَجاهِدُوا فِي اللهِ) أي اعملوا لله (حَقَّ جِهادِهِ) أي حق عمله وهو أن تؤدي جميع ما أمرك الله به وتجتنب ما نهاك الله عنه وأن تترك رغبة الدنيا لرهبة الآخرة ، والإضافة (٤) إلى ضميره تعالى كانت بأدنى ملابسة ، لأن الجهاد مفعول لأجل الله ، والأصل أن يقول (٥) حق الجهاد ، قيل للنبي عليهالسلام : أي الجهاد أفضل؟ قال : «كلمة عدل عند السلطان» (٦) ، وقيل «حق جهاده» جهاد الكفار (٧) ، وقيل : «جهاد النفس وهو
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٠٥.
(٢) رواه أحمد بن حنبل ، ٤ / ١٥١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٤ / ٩٢.
(٣) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٤ / ١٥١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ١٣٣.
(٤) والإضافة ، ح ي : وإضافة الجهاد ، و.
(٥) أن يقول ، و : ـ ح ي.
(٦) رواه أبو داود ، الملاحم ، ١٧ ؛ وابن ماجة ، الفتن ، ٢٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٤٠٥.
(٧) لعله اختصره من البغوي ، ٤ / ١٣٤.