مصدر مضاف ، فعله محذوف وجوبا (إِنَّهُ) أي الشأن (رَبِّي) أي زوجك الذي رباني (أَحْسَنَ مَثْوايَ) حين أوصاك باكرامي فليس لي أن أخون امرأته بعد حسن ظنه بي وأمره بالإحسان إلي ، وفيه دليل على وجوب معرفة إحسان المحسن وشكره ، وقيل : أراد بقوله (رَبِّي) الله تعالى (١) ، أي أحسن إلي بما أعطاني ومن بلاء الجب عافاني (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٢٣] أي المجاوزون الحسن إلى القبيح أو الظالمون الزناة.
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤))
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) أي قاربت بمجامعة يوسف زليخا برضاها (وَهَمَّ بِها) أي قارب يوسف بمجامعتها على اقتضاء الطبع البشرى لا مع العزم منه ، والهم في الأصل عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل من خير أو شر ، وهو القصد ، فهمها عزمها على المعصية من غير شروع فيها ، وهمه حل الهميان وجلوسه منها مجلس الخائن بكراهتها ، والفرق بينهما أن همها هم ثابت لكونه مع العزم وعقد القلب والرضا ، فالعبد مأخوذ به ، وهمه هم عارض معبر الخطرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم ، فأن العبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل ، وقيل : هم زليخا كبيرة ، لأنه حقيقة منها ، وهم يوسف بقدر حاله صغيرة ، والصغائر تجوز على الأنبياء (٢) ، وقيل : ما هم يوسف بها لقوله تعالى عقيبه لتدارك عبده ونبيه (٣)(لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قيل : هذا الكلام يشعر بأن يكون «وهم به» جواب (لَوْ لا) متقدما عليه ، وقد أنكر النحاة ذلك ، إذ العرب لا تقول لقد قمت لو لا زيد بمعنى لو لا زيد لقمت ، لأن الشرط والجزاء بمنزلة كلمة واحدة ، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض ، ويجوز حذف بعضها إذا دل عليه دليل ، فيكون جواب (لَوْ لا) محذوفا بدلالة ما قبله وهو (هَمَّ بِها) ، ولا جائز أن يكون كلا الهمين قرينة لجواب (لَوْ لا) ، لأن التفصيل بينهما بالعطف يدل على طلب كل منهما التوصل إلى ما هو حظه من قضاء الشهوة ، ثم ذكر (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) قصدا إلى الدلالة على أنه ترك التوصل إلى حظه لئلا يلزم إغفال يوسف مع كونه نبيا ، وأما زليخا فلم تترك التوصل إلى حظها ليدل ذلك بذكر (لَوْ لا أَنْ رَأى) إلى آخره (٤) ، فتقدير الآية : ولقد همت به وهم بها لو لا أن رأى برهان ربه لفعل ما طلبت منه ، لأنه تعالى تدارك عبده النبي بالبرهان وهو أنه رأى صورة يعقوب وهو يقول له : يا يوسف تعمل عمل السفهاء ، وأنت مكتوب في الأنبياء ، وقيل : «انفرج سقف البيت فرأى يعقوب عاضا على أصبعه» (٥) ، وقيل : «ضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله» (٦) ، وقيل : «حل يوسف سراويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته إذا بكف قد ظهرت بينهما بلا معصم ولا عضد مكتوب فيه (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ)(٧) ، فقام هاربا وقامت ، فلما ذهب عنهما الروع عادت وعاد فظهر ذلك الكف مكتوبا عليه (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً)(٨) ، فقام هاربا وقامت ، فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد فرأى ذلك الكف مكتوبا عليه (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)(٩) ، فقام هاربا وقامت ثم عادا ، فقال الله تعالى لجبريل أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة ، فانحط جبريل فمسحه بجناحه وخرجت شهوته من أنامله» (١٠) ، فلذا قيل : ولد له أحد عشر ولدا ، ولكل ولد من يعقوب اثنا عشر ولدا من أجل نقصان شهوته ، وقال تعمل
__________________
(١) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٢٧٠.
(٢) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.
(٣) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٤) لعل المفسر اختصره من البغوي ، ٣ / ٢٧١ ؛ والكشاف ، ٣ / ٧٠.
(٥) عن الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٧٢.
(٦) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٥٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٧٢.
(٧) الانفطار (٨٢) ، ١٠ ـ ١٢.
(٨) الإسراء (١٧) ، ٣٢.
(٩) البقرة (٢) ، ٢٨١.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٧٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٧٠ ، ٧١.