وعقاب التخلف.
(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤))
ثم أخبر تعالى عن اعتذارهم الكاذب وأمر بجوابه بقوله (يَعْتَذِرُونَ) أي يعتذر المنافقون عن تخلفهم عن الخروج إلى الغزو معكم (إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ) من الغزو (إِلَيْهِمْ قُلْ) يا محمد (لا تَعْتَذِرُوا) إلينا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) أي لن نصدقكم أن لكم عذرا في تخلفكم عن الغزو (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) أي أيخبرنا عنكم بأنه ليس لكم عذر فيه ، فالجملة علة لانتفاء تصديقهم ، لأن الإعلام عن سوء ضميرهم وفساد عملهم (١) بالوحي إلى رسول الله يوجب عدم تصديقهم في معاذيرهم (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) في المستقبل أنكم ترجعون (٢) عن نفاقكم أم تثبتون عليه (وَرَسُولُهُ) والمؤمنون ، أي وسيراه نبيه وكل من آمن به (ثُمَّ تُرَدُّونَ) أي ترجعون بعد الموت (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي إلى من يعلم ما غاب من السر عن الخلق وما شاهدوه من العلانية (فَيُنَبِّئُكُمْ) أي يخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٩٤] من الخير والشر في الدنيا ، فيجازيكم على حسب ذلك.
(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥))
ثم قال تعالى (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ) أي لطلب رضاكم (إِذَا انْقَلَبْتُمْ) أي إذا رجعتم (إِلَيْهِمْ) من الغزو (لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) أي لتجاوزوا عن معاتبتهم (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) أي فتجاوزوا عن عتابهم (٣) ، لأن العتاب (٤) لا يصلحهم ولا ينفع فيهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) أي لأنهم نجس لا سبيل لكم إلى تطهيرهم ، قيل : هم كانوا ثمانين رجلا منافقين (٥) ، فحين قدم النبي عليهالسلام إلى المدينة قال لأصحابه : «لا تجالسوهم ولا تكلموهم» (٦)(وَمَأْواهُمْ) أي مستقرهم في الآخرة (جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [٩٥] من النفاق وعمل الكفر.
(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦))
ثم جاء عبد الله بن أبي منهم إلى النبي عليهالسلام يحلف أن لا يتخلف عن الغزو أبدا ، فقال تعالى (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) أي غرضهم بالحلف طلب رضاكم لينفعهم في دنياهم (فَإِنْ تَرْضَوْا) أي إن ترض (٧) أنت يا محمد والمؤمنون (عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [٩٦] بالنفاق والكفر والمعصية ، وفي هذه الآية دفع وهم من يتوهم أن رضا المؤمنين يقتضي رضا الله تعالى ، المعنى : أن رضا المؤمنين لا ينفعهم إذا كان ساخطا عليهم.
(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧))
ثم أخبر تعالى عن حال أهل البدو وكان أكثر المنافقين منهم بقوله (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) من أهل الحضر لقساوة قلوبهم وتوحشهم وبعدهم عن سماع القرآن والسنن وصحبة العلماء العاملين (٨) لله كغطفان وأسد وتميم (وَأَجْدَرُ) أي هم (٩) أولى وأحق (أَلَّا يَعْلَمُوا) أي منافقوهم (حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) أي أحكام الله في كتابه وشرائعه ، يعني هم أحق بجهلها لعدم نفعها لهم ، ومنه قوله عليهالسلام : «إن الجفاء والقسوة في الفدادين» (١٠)(وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر (حَكِيمٌ) [٩٧] يحكم بعقاب
__________________
(١) عملهم ، ب م : علمهم ، س.
(٢) ترجعون ، ب س : يرجعون ، م.
(٣) عتابهم ، ب م : عقابهم ، س.
(٤) لأنه العتاب ، ب س : لأن العقاب ، م.
(٥) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٩٥.
(٦) نقله المفسر عن البغوي ، ٣ / ٩٦.
(٧) ترض ، ب س : ترضوا ، م.
(٨) العاملين ، ب س : العالمين ، م.
(٩) هم ، ب م : ـ س.
(١٠) أخرجه البخاري ، المغازي ، ٧٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢٠٩.