يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩))
قوله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) نزل حين تنازع المشركون والمسلمون في سقاية الحاج وعمارة الكعبة والجهاد أيها أفضل ردا لتنازعهم ونفيا للتسوية بينهم بالاستفهام الإنكاري (١) ، والسقاية مصدر سقي ، والعمارة مصدر عمر ، وإنما صحت الياء بعد الألف ولم تقلب همزة لأجل التاء كالبداية من البدء ، أي أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وأصحاب عمارة المسجد الحرام (كَمَنْ آمَنَ) أي أجعلتم (٢) إيمان هؤلاء كايمان من آمن (بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في دينه (لا يَسْتَوُونَ) في الثواب (عِنْدَ اللهِ) إذ لا ثواب مع الكفر (وَاللهُ لا يَهْدِي) أي لا يرشد إلى الفلاح أو المعرفة (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [١٩] أنفسهم بتكذيبهم الرسول وما جاء به من الحق ، إذ الكفر ينافي الهداية.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))
ثم قال مستأنفا (الَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الله (وَهاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ) تمييز أي أفضل مرتبة في الجنة من الذين لم يؤمنوا ولم يهاجروا (وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) [٢٠] أي المختصون بالفوز والنجاة من النار لا أنتم أيها المشركون.
(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١))
(يُبَشِّرُهُمْ) أي يفرح المؤمنين الموصوفين بهذه الصفات (رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) أي بثوابه (وَرِضْوانٍ) أي والرضا (٣) بالثواب الذي أعطاهم (وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) [٢١] أي تنعم دائم لا ينقطع عنهم.
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢))
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) تأكيدا للخلود لئلا يحمل على المكث الطويل (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [٢٢] لا يوصف لكثرته ، قال ابن عباس رضي الله عهما : نزلت الآية في المهاجرين خاصة (٤) ، وكان قبل فتح مكة من آمن لم يتم إيمانه إلا بأن يهاجر ويترك أقاربه الكفرة ، فبشرهم الله تعالى بهذه الكرامة السنية.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ) الذين بمكة (أَوْلِياءَ) أي أصفياء وبطانة (إِنِ اسْتَحَبُّوا) أي اختاروا (الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) بالجلوس مع الكفار ، نزل فيمن أمر بالهجرة بعد الإيمان وثبطه أهله وماله عنها (٥) أو نزل في تسعة ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بمكة (٦) ، فنهى الله المؤمنين عن موالاتهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) بعد نزول هذه الآية (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [٢٣] أي الضارون أنفسهم بالكفر ، لأن من أحب قوما فهو منهم ، قال عليهالسلام : «المرأ مع من أحب» (٧) ، أي في الآخرة وقال أيضا : «لا يطعم أحدكم طعم الإيمان حتى يحب في الله ويبغض في الله» (٨) ، أي حتى يحب في الله أبعد الناس ويبغض في الله أقرب الناس (٩).
__________________
(١) لعل المؤلف اختصره من البغوي ، ٣ / ٢٠ ، ٢١ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٨٦.
(٢) أي أجعلتم ، م : أو أجعلتم ، ب س.
(٣) أي وبالرضا ، س : أي والرضا ، ب م.
(٤) انظر الكشاف ، ٢ / ١٨٦.
(٥) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٠ ؛ والواحدي ، ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٢.
(٦) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٤٠ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٢ ـ ٢٣.
(٧) رواه البخاري ، الأدب ، ٩٦ ؛ ومسلم ، البر ، ١٦٥ ؛ والترمذي ، الزهد ، ٥٠ ، والدعوات ، ٩٨.
(٨) أخرج النسائي نحوه ، الإيمان ، ٢.
(٩) حتى يحب في الله ويبغض في الله أي حتى يحب في الله أبعد الناس ويبغض في الله أقرب الناس ، ب م : حتى يحب في الله أبعد الناس ويبغض في الله أي حتى يحب في الله أبعد الناس ويبغض في الله أقرب الناس إليه ، س.