مات على ذلك إلا دخل الجنة» (١).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩))
قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) نزل خطابا للنبي عليهالسلام على وجه التعجيب (٢) ، أي ألم تنظر إلى الذين يطهرون نفوسهم عن الذنوب (٣) بألسنتهم ولم يزكوها حقيقة بقولهم (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)(٤) ، وبقولهم (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى)(٥) ، وبقولهم : نحن كالأولاد (٦) الصغار فهل عليهم ذنب ، فأنكر الله ذلك عليهم بصيغة الإضراب فقال (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي يطهره ويبرئه باكرام الهداية ونور الإسلام يهدي الله (٧) لنوره من يشاء ، لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية (٨)(وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [٤٩] أي لا ينقص الذين يثابون على زكوتهم من الثواب قدر فتيل النواة (٩) ، وهي القشرة الرقيقة حولها ، والضمير في (لا يُظْلَمُونَ) يرجع إلى معنى «من يشاء».
(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠))
ثم أمر نبيه يالنظر في حالهم تعجيبا فقال (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بزعمهم أنهم عند الله أزكياء (وَكَفى بِهِ) أي بالافتراء (إِثْماً مُبِيناً) [٥٠] أي ظاهرا من بين آثامهم.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١))
قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) أي أعطوا حظا من التورية ، نزل حين خرج حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف من رؤساء اليهود إلى مكة بعد قتال أحد مع جماعة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله ، فقال قريش : أنتم أهل كتاب وأنتم إلى (١٠) محمد أقرب منا إليه ، فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا ، فسجدوا لأصنامهم ، ثم سألوا عنهم نحن أهدى أم محمد وأصحابه ، قالوا : بل أنتم أهدى سبيلا منهم (١١) ، فقال تعالى تعييرا لهم (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) وهما اسمان للصنمين لهم ، أي يصدقون بغير الله ورسوله (وَيَقُولُونَ) أي أهل الكتاب (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بالكتاب (هؤُلاءِ) يعنون أبا سفيان وأصحابه من المشركين (أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنون محمدا عليهالسلام وأصحابه (سَبِيلاً) [٥١] أي أرشد دينا منهم.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢))
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي طردهم من رحمته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) [٥٢] أي مانعا من عذابه تعالى.
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣))
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ) أي حظ (مِنَ الْمُلْكِ) أي من ملك الله ، و «أم» بمعنى بل ، والهمزة لإنكار أن يكون لليهود حكم في ملك الله مع الإشارة إلى بخلهم وحسدهم للنبي عليهالسلام ، أي ليس لهم نصيب من الملك ، إذ لو كان ذلك (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ) أي لا يعطون أحدا منهم (نَقِيراً) [٥٣] لبخلهم ، والنقير النقطة في ظهر النواة ،
__________________
(١) رواه أحمد بن حنبل ، ٥ / ١٦٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٨٦.
(٢) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٨٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٣١.
(٣) نفسوهم عن الذنوب ، ب : أنفسهم عن الذنوب ، س ، نفوسهم من الذنوب ، م.
(٤) المائدة (٥) ، ١٨.
(٥) البقرة (٢) ، ١١١.
(٦) كالأولاد ، ب م : كأولاد ، س.
(٧) يهدي الله ، ب م : يهد الله ، س.
(٨) للتزكية ، ب س : التزكية ، م.
(٩) فتيل النواة ، ب م : فتيل نواة ، س.
(١٠) إلي ، ب م : آل ، س.
(١١) عن عكرمة ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٦٠ ؛ والواحدي ، ١٣٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٨٨ ـ ٨٩.