(يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤))
ثم وصفهم بخصائص أخرى ما كانت في اليهود فقال (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي وهم يقرون بالبعث (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) أي بالإيمان بمحمد واتباعه (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي عن الكفر والمعصية (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي يبادرون بالأعمال الصالحة لرغبتهم في امتثال أمر الله (وَأُولئِكَ) أي الموصوفون بتلك الصفات (مِنَ الصَّالِحِينَ) [١١٤] أي من جملة الذين صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا ثناء الله عليهم ، وهم أصحاب محمد عليهالسلام في الجنة.
(وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥))
ثم خاطب المؤمنين تحريضا على العمل الخير بقوله (وَما يَفْعَلُوا)(١) أي الذي تعملوه (مِنْ خَيْرٍ)(٢) بالتاء خطابا وبالياء غيبة (٣)(فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) أي لن يحرموا (٤) ثوابه في الآخرة ، ولمعنى (٥) الحرمان عدي الكفر إلى مفعولين (٦) ، قال عليهالسلام : «البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يفنى» (٧) ، يعني هو شكور يوفي جزاء أعمالهم الخير (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [١١٥] فيه بشارة لأهل التقوى بجزيل الثواب ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ، ومن كان مثلهم في عمل الخير بالتقوى.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦))
ثم بين حال من لم يؤمن من أهل الكتاب بقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ) أي لن تنفع (٨)(عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) أي الكثرة منهما (مِنَ اللهِ) أي من عذابه في الآخرة (شَيْئاً) أي نفعا ما ، قاله ردا لقولهم : نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ، ثم قال (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [١١٦] أي معذبون دائما.
(مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧))
ونزل حين أنفقوا في عداوة الله ولم يبلغوا مرادهم (٩)(مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ) أي صفة إهلاك الكفار (فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) من أموالهم في غير طاعة الله كالمفاخر والمكارم وحسن الذكر بين الناس وعداوة أهل الإسلام (كَمَثَلِ رِيحٍ) أي كصفة إهلاك ريح (فِيها صِرٌّ) أي برد مهلك أو حر (أَصابَتْ حَرْثَ) أي حرث (قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر أو بمنع حق الله فيه (فَأَهْلَكَتْهُ) أي أحرقته وأفنته فلم ينتفعوا به ، وقيل : هو من باب التشبيه المركب (١٠)(وَما ظَلَمَهُمُ) أي أولئك المنفقين (اللهُ) بعدم قبول نفاقتهم (وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [١١٧] بارتكاب عمل لم يستحقوا به القبول ويجوز عود الضمير إلى أصحاب الحرث ، أي وما ظلمهم بإهلاك حرثهم ولكن ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ
__________________
(١) يفعلوا : ب س : يفعلوا من خير ، م
(٢) من خير ، ب س : ـ م.
(٣) «يفعلوا» : قرأ حفص والأخوان وخلف بياء الغيبة ، والباقون بتاء الخطاب. بالبدور الزاهرة ، ٦٩.
(٤) لن يحرموا ، ب س : لن تحرموا ، م
(٥) ولمعني : ب س : وبمعني ، م.
(٦) مفعولين ، ب س : المفعولين ، م.
(٧) انظر السمرقندي ، ١ / ٢٩٣. وذكره العجلوني في كشف الخفاء ، ١ / ٣٣٦. ولم اعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٨) لن تنفع ، ب س : لن ينفع ، م.
(٩) أخذه عن الكشاف ، ١ / ١٩٥.
(١٠) نقله المفسر عن الكشاف ، ١ / ١٩٥.