والارتداد عن الإيمان كوجوه بني قريظة والنضير ، والبياض من النور للمحق ، والسواد من الظلمة للمبطل ، قيل : من كان من أهل الحق وسم وجهه ببياض اللون في المحشر ببياض صحيفته سرورا إذا قرأها ، ومن كان من أهل الباطل وسم وجهه بسواد اللون وكسوفه فيه بسواد صحيفته خزاية إذا رآها (١) ، وقدم (تَبْيَضُّ) على (تَسْوَدُّ) ، ثم قدم حكم (تَسْوَدُّ) على حكم (تَبْيَضُّ) لرعاية لطف الكلام بكون أوله وآخره مما يوجب انشراح الصدر للمستمع ، فقال مستأنفا بجواب سؤال مقدر ، وهو كيف يكون حالهم فيه (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) فيقال لهم (أَكَفَرْتُمْ) بالاستفهام توبيخا (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) يوم الميثاق بقولكم بلى أو هم المنافقون باظهار الإيمان وإبطال الكفر (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [١٠٦] بالقرآن ومحمد عليهالسلام.
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧))
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) بالإيمان (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) أي في جنته (٢) التي تنال (٣) برحمته (هُمْ فِيها خالِدُونَ) [١٠٧] أي دائمون في نعيمها (٤).
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨))
(تِلْكَ آياتُ اللهِ) أي آيات القرآن الواردة في الوعد والوعيد (نَتْلُوها) أي نقرؤها (عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) أي بالصدق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستحقانه ، يعني نعرفك إياها بجبرائيل (ومَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) [١٠٨] أي لا يأخذ أحدا بغير جرم ولا يزيد ولا ينقص من العقاب والثواب.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩))
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي جميعه ملكه ، فاسألوه من نعم الدنيا والآخرة ، واعبدوه ولا تعبدوا غيره (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [١٠٩] أي إليه تصير أمور العباد في الآخرة خيرا كانت أو شرا.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (١١٠))
ثم أخبر عن حال المسلمين بأنهم خير أهل دين عند الله بالإسلام والوفاء تعريضا للكفار ، وقال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) أي أنتم خير الأمم عند الله أو في اللوح المحفوظ بزيادة «كان» أو بمعنى وجدتم أو صرتم خير أمة بالإيمان بخير الرسل (٥) أو كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة (أُخْرِجَتْ) أي أظهرت (لِلنَّاسِ) قوله (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بيان لكونهم خير أمة ، أي تأمرون بشهادة ، أي «لا إله إلا الله» وهو أعظم معروف (وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي تنهون عن الشرك وتكذيب الحق كالبعث وهو أنكر منكر ، وقيل : المعروف إقامة السنة والجماعة والمنكر إقامة البدعة والضلالة (٦) ، قال عليهالسلام : «من أمر بمعروف ونهى عن منكر فهو خليفة الله في الأرض ، وخليفة كتابه وخليفة رسوله» (٧) ، قيل : لا تأمر بالمعروف حتى يكون فيك ثلاث خصال ، أن تصحح نيتك وتعرف حجتك وتصبر على ما أصابك (٨)(وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي وتثبتون على توحيده وعلى كل ما يجب الإيمان به من رسول وكتاب (٩) وبعث وعقاب وثواب وغير ذلك ، فمن أنكر شيئا منها فهو غير مؤمن بالله ، ويدل عليه قوله (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ) من اليهود والنصارى بالرسول مع إيمانهم بالله (لَكانَ) ذلك
__________________
(١) لعله اختصره من الكشاف ، ١ / ١٩٢.
(٢) أي في جنته ، س : أي جنته ، ب ، أي جنة ، م.
(٣) تنال ، ب س : ينال ، م.
(٤) في نعيمها ، ب س : في نعيمها وهو استئناف في جواب سؤال مقدر وهو يكون كيف يكونون فيها ، م.
(٥) الرسل ، ب م : الرسول ، س.
(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٧) انظر الكشاف ، ١ / ١٩٢. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٨) ولم نجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٩) وكتاب ، ب س : ومن كتاب ، م.