الكفر ، أي لن يقبل (مِنْ أَحَدِهِمْ) فدية (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) أي قدر (١) ما يملأها من شرقها إلى غربها ، وقيل : وزن الأرض ذهبا (٢) ، نصبه على التمييز (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) أي بملء الأرض ذهبا ، تعلقه بما قبله بالحمل على المعنى ، كأنه قيل : لن تقبل (٣) من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا ، ويجوز أن يراد ولو افتدى بمثله بتقدير المثل ، وهو كثير في كلامهم نحو ضربته ضرب زيد ، أي مثل ضربه ، قيل : «إذا رأى الكافر النار يوم القيامة تمنى لو كان له ملء الأرض ذهبا وقدرة على أن يفتدي به من العذاب لافتدى به ، ولو افتدى به ما يقبل منه» (٤)(أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفة (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي مؤلم (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [٩١] أي مانعين (٥) من عذابه.
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢))
قوله (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) أي لن تبلغوا حقيقة البر ، يعني ثوابه وهو الجنة ، وكل أعمال الخير بر (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) أي حتى تتصدقوا (٦) من أموالكم التي تحبونها ، و «من» فيه للتبعيض ، نزل حين جاء أبو طلحة ، فقال : يا رسول الله! إن أحب أموالي بيرحا ، اسم ضيعة له ، فضعها في سبيل الله ، فقال عليه : إني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة : افعلها (٧) يا رسول الله حيث أراك الله ، فقسمها في أقاربه (٨) ، قيل : «هذا منسوخ بآية الزكوة» (٩) ، وقيل : «المراد به إخراج الزكوة عن طيبة النفس» (١٠)(وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) أي أي شيء كان من طيب تحبونه أو من خبيث تكرهونه (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) [٩٢] لا يخفى عليه فيجازيكم به ، قيل : معناه لا وصول إلى المطلوب إلا باخراج المحبوب (١١) ، ولذلك كانت الصحابة رضي الله عنهم إذا أحبوا مالا من أموالهم أنفقوه في سبيل الله.
(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤))
قوله (كُلُّ الطَّعامِ) أي كل أنواع الطعام (كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) نزل حين قالت اليهود : حرمنا على أنفسنا لحوم الإبل وألبانها ، لأن يعقوب حرمها على نفسه و (١٢) نزل تحريمها في التورية (١٣) ، فقال تعالى كل الطعام هو حلال لأمتك كما كان حلالا (١٤) لبني إسرائيل سوى الميتة والدم ولحم الخنزير ، قوله (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) أي يعقوب عليهالسلام (عَلى نَفْسِهِ) نصب على الاستثناء من أنواع الطعام ، فانه لم يكن حلالا لهم وصار حلالا لأمتك ، والمراد منه لحوم الإبل وألبانها وإنما حرمهما على نفسه لما أصابه عرق النسا ، وقال الأطباء له : اجتنب لحوم الإبل وألبانها فحرمها (١٥) على نفسه ، وذلك أيضا باذن من الله فكأنه تحريم الله ابتداء ، وقيل : نذر أن يحرم أحب الطعام إليه إن شفي منه ، فشفي فلم يأكله أولاده اتباعا له أو قال إن شفاني الله لا يأكله ولد لي فحرم عليهم (١٦)(مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) أي الذي حرم عليهم بعد إبراهيم عليهالسلام هو المحرم قبل نزول
__________________
(١) قدر ، م : ـ ب س.
(٢) قاله الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٨٤.
(٣) تقبل ، س : يقبل ، ب م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٨٦.
(٤) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٨٤.
(٥) أي مانعين ، س م : أي مانعون ، ب.
(٦) تتصدقوا ، ب س : تصدقوا ، م.
(٧) افعلها ، س : افعل ، ب م.
(٨) عن أنس ابن مالك ، انظر البغوي ، ١ / ٥٠٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٨٦ ـ ١٨٧.
(٩) عن مجاهد والكلبي ، انظر البغوي ، ١ / ٥٠٦.
(١٠) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ١ / ٥٠٦.
(١١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(١٢) و ، ب س : قيل ، م.
(١٣) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ؛ والواحدي ، ٩٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٥٠٧.
(١٤) حلالا ، س م : ـ ب.
(١٥) فحرمها ، ب م : فحرمهما ، س.
(١٦) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ٥٠٧ ، ٥٠٨ ؛ والكشاف ، ١ / ١٨٧.