(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ) نزل حين ادعى رجل على صحابي حقا ، فأراد المدعى عليه أن يحلف بالله كذبا ليأخذ مال ذلك الرجل (١) أو نزل حين حرف اليهود نعت محمد عليهالسلام وعهد الله الذي عهده إليهم في التورية وكتبوا فيها غيرهما (٢) لأجل منافع الدنيا (٣) ، أي أن الذين يستبدلون بعهد الله إليهم في أداء الأمانة وإيفاء العهد (وَأَيْمانِهِمْ) الكاذبة (ثَمَناً قَلِيلاً) أي عرضا يسيرا من حطام الدنيا (أُولئِكَ لا خَلاقَ) أي لا نصيب (لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) ونعيمها (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) غضبا عليهم (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بنظر الرحمة والإحسان ، يريد نفي اعتداده بهم وهو مجاز عن الاستهانة بهم (٤) والسخط عليهم (وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي لا يطهرهم من الذنوب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٧٧] أي وجيع دائم (٥).
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨))
(وَإِنَّ مِنْهُمْ) أي من اليهود (لَفَرِيقاً) أي لطائفة (٦) كمالك ابن الضيف وكعب ابن الأشرف وحيي بن أخطب (يَلْوُونَ) أي يميلون ويحرفون (أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) أي فيه ، والمراد تحريفهم الكتاب بألسنتهم في التلاوة أو في التأويل على خلاف ما في الكتاب أو بالكتابة كآية الرجم ونعت محمد عليهالسلام وغيرهما (لِتَحْسَبُوهُ) أي لتظنوا (٧) المحرف (مِنَ الْكِتابِ) أي من التورية (وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) أي وليس المحرف من الكتاب الذي نزل من الله (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي مما أنزله الله (وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي والحال أنه ليس مما أنزله الله ، ثم أكد كذبهم بقوله (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [٧٨] أنهم كاذبون في ذلك.
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩))
قوله (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ) نزل حين جاء رجل من النصارى ، وقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا كعيسى (٨) أو قال المسلمون : أنسلم عليك كما نسلم بعضنا على بعض أو نسجد لك ، فقال : معاذ الله أن نعبد غير الله أو أن نأمر بعبادة غير الله (٩) ، أي ما جاز لبشر أن يعطيه الله الكتاب كالتورية والإنجيل والقرآن (وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) أي الفهم عن الله بما أمر ونهى (١٠) والعمل بالشريعة (ثُمَّ يَقُولَ) بالرفع على الاستئناف والنصب (١١) للعطف على «يؤتيه» ، أي يأمر (لِلنَّاسِ) بقوله (كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ) يقول لهم (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) أي علماء بالله أو (١٢) معتقدين له أو (١٣) معلمين الخير.
جمع رباني ، والرباني (١٤) منسوب إلى الرب تعالى ، والألف والنون زائدتان فيه ، ومعناه : البليغ في طاعة ربه
__________________
(١) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ٤٩٤ ، ٤٩٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٩٣ ، ٩٤.
(٢) فيها غيرهما ، ب : فيها غيرها ، س م.
(٣) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٧٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٩٤ (عن عكرمة) ؛ والواحدي ، ٩٥ ـ ٩٦ (عن عكرمة).
(٤) بهم ، ب م : ـ س.
(٥) دائم ، س م : دائما ، ب.
(٦) لطائفة ، ب س : بطائفة ، م.
(٧) أي لتظنوا ، س : أي لتظنون ، ب ، ليظنون ، م ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٩٧.
(٨) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٩٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨ ؛ والكشاف ، ١ / ١٨٣.
(٩) عن الحسن ، انظر الواحدي ، ٩٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٩٨ ؛ والكشاف ، ١ / ١٨٣.
(١٠) أمر ونهي ، س م : أمر أو نهي ، ب.
(١١) وهذه القراءة مأخوذة عن الكشاف ، ١ / ١٨٣.
(١٢) أو ، ب م : و ، س.
(١٣) أو ، ب س : أي ، م.
(١٤) والرباني ، س : ـ ب م.